بقلم: محمود أمين
عزيزتي الصغيرة تحية طيبة وبعد:
القلب يحمل في طياته الكثير، والبوح يعزف عن الكلام، والكلمات لا تساند هذا القلم في كتابة الأفكار، والعقل يبعد بالمعنى ويُغرب في الجمل التي أريد التعبير عنها، فكيف السبيل إلى وصالك دلني؟
الحب كامن في هذا القلب كمون النار في الحجر، وأعجب كل العجب حين أراه يتحرك صوب كل ما هو لك، مستطار هذا القلب ومفزّع يا عزيزتي. لم يهنأ يومًا بهدهدة أو يد تحنو عليه أو رسالة تدفء شغافه من برودة الانتظار، لا أعني الانتظار في ذاته بل انتظار مقصود لحاجة في نفس يعقوب لن أفصح بها إلا أمام عينيك الجميلتين، والرسالة المقصودة ليست كالرسائل التي تأتيني، رسالة فيها البشرى والسرور، رسالة تحمل المعاني البسيطة لا الكلمات المنمقة الأدبية الرفيعة، لا أريد موضوعات عبر عنها صاحبها بأجمل الكلمات، أنا في حاجة إلى المعاني، المعاني التي تحمل القيم الأخلاقية وتقدمها على المشاعر، وتقول ألف معنى في كلمة واحدة.
الأيام تمر في رتابة وسرعة لم أعهدها من قبل، والساعات التي أقضيها وأنا بفردي ثقيلة ومظلمة لا أتحملها يا عزيزتي، حتى الذكرى قاسية حين تمر بالذاكرة وتحمل سكينًا لا ترحم الوحدة التي تربعت على قلبي، والظلمة التي يعرفها كل محب مخلص تزاد استطالة ولا أقوى على قطعها بمفردي.
الانتظار يمزق كل جميل، فما بالنا لو جاء الحبيب في وقت لم نعد بنفس حرارة الأمس التي نكنها له؟ هل نقول له: لم نعد نحمل لك شغفًا فلا تقترب؟ أم نكمل المسرحية في برود الممثلين؟ لا أحمل إجابات يا عزيزتي غير أني قرأت لأكثر من أديب هذه المعاني؛ أنه لو جاء الشيء بعد فقدان الشغف، فقل له: لم نعد نحن الذي كنت تعرف! فاذهب في أمان وسلام! والقلب لا ينبض بالحب أبديًا، هي فترة وينطوي طي الكتمان، ويُنسى كما نُسيت قصصه وقصص نبضه من قبل، ومن ذا الذي يسأل عن تاريخ القلوب وهو لا يعلم حاضرها؟ اكتفى الناس بالظاهر، وقد تركوا لعقولهم بقية تخيل المشهد الغائب.
لقد كُتبت الوحدة على المخلصين، وأهل النفاق يتقلبون في ألوان واختيارات المحبين، وإني أفضل ألف وحدة على لون واحد من ألوان المنافقين.
والرجل الذي عبر لكِ أول مرة عن مكنون ضميره وكشف لك ستره لن يكرر الكرة ولن يلفت انتباه قلبك مرة أخرى؛ ولم تكن النحلة يومًا مجال التفات الزهرة بل الزهرة هي التي تتقن فن الدعاية الأخاذة في لفت الانتباه!
والختام لن يكون أجمل معنى مما قدم الكاتب، ولن يكون توطئة لحكاية أخرى، ولن يكون نهاية درامية للتعبين عن مدى الغيظ الذي خلفه طول الانتظار، والختام يبقى كما يبقى أثر الابتسامة حين يبتسم أحد لنا، فاجعليها ابتسامة مني لقلبك الصغير الغائب، واجعليها بذرة لأرض خصبة يرزقنا بها الله في قابل الأيام، واجعليها رائعة ذكية الرائحة تضوع بين الرسائل، واكتبيها بيديك الجميلتين وارسلي لي أجزائها حتى أخلدها على حائط الزمن الكبير.
كوني بخير واكتبي لي كما أكتب لك يا عزيزتي، والسلام يعم جوارك وهو أسما ختام!