القاهرية
العالم بين يديك

رانيا ضيف تكتب لم أعد أجيد صنع القهوة

116

  وهبته حياتها وقلبها وتخلت عن مشاريعها الشخصية لتطوير ذاتها لتساعده فى العمل،

وتدفعه للأمام، فكانت زوجته ومديرة أعماله،

تقدم له كل صباح فنجانًا من القهوة أعدته على مهل بمحبة ومعه وردة، وقبلة مرسلة فى الهواء.

كبرت أعماله، وتوسعت علاقاته، وباتت هي الجندي المجهول ..

هى مخرج العمل ومنظمه، ولكنها دائما خلف الكاميرا، ولم يكن ذلك يؤذيها، كانت فرحة قلبها عارمة،وفخرها به يزداد يوما بعد يوم !

تناست طموحها، وظلت غارقة فى تحقيق أحلامه ومتطلباته حتى اعتادها..

لم تعد تمثل فضولا أو لغزا يستحق البذل، ويجدد الشغف ..

أصبحت مكشوفة، لا شيء بها غامض يستحق العناء !

بدأت تنبت فى عقله بذور الخيانة، فلديه المال، والنجاح، والشهرة .. ينقصه أنثى يكتشف معها عالم الحب،فتسحبه لدنيا العشق والهوى !

وفى المقابل تعمل زوجته بجِد حتى تخور قواها، فتعود للبيت منهكة تماما، وما يتبقى لديها من جهد تنفقهعلى طفليهما ومتابعة أحوالهما الدراسية ..

ذات صباح

دخلت عليه مكتبه كعادتها،

وجدته على الهاتف وعيناه تلمعان !

ومجرد أن لمحها اضطرب قليلا، ثم استجمع هدوءه وأنهى المكالمة بشكل طبيعي..

لكنها لم تلحظ!

لم تَرِد الفكرة على بالها من الأساس ..

استمرت مكالماته الهاتفية، وزاد تعلقه وشغفه بالأخرى، وازداد بعده ونفوره عن زوجته ..

لم يعد يُحادثها ولا يهتم لوجودها، ساد الصمت بينهما حتى كاد يبتلعهما، كلما اقتربت منه لتزيل ذلكالحاجز شعرت بتململه وإعراضه عنها، وإن تحدث يبدأ بسلسلة مطولة من الانتقادات على أتفه تصرفاتهاوعلى مظهرها ونمط حياتها، لم لا ترتدين كذا ؟

لم لا تغيرين لون شعرك الباهت؟

لم لون وجهك شاحب؟ لم تبدو عيناكِ مجهدتان طوال الوقت ؟

لا يرى سوى المساوىء وعينه ضريرة عن أي  جمال .

تفاقمت الأمور على النحو الذي استوقف الزوجة التعسة، وبدأت رحلة البحث عن سبب هجره لها وهروبهمنها !

وخلال تلك الرحلة المؤلمة على قلب كل أنثى والتى تهز كيانها بعنف؛ كانت تمارس أعمالها وكأن شيئًا لم يكن!

تحضر له كل صباح فنجان القهوة مع وردة بجانب الفنجان !

وهو كالعادة يشكرها دون النظر حتى إليها، ويتناول الفنجان، ويهمل الوردة !

أخيرا وصلت لرقم الهاتف الذى يحادثه كثيرا، فالتقطته خلسة وقامت بالاتصال به فإذا بصوت امرأة رخيم !

أنهت المكالمة دون أن تتحدث ..

وبات الشك يأكل قلبها وينتزعها من نفسها انتزاعا ..

تتبعت خيوط الخيانة حتى ساد الظلام مبددا كل شعاع نور فى قلبها حتى وصلت للحقيقة المُرة التى تهدكيان كل أنثى .

ترددت على مسامعها أسئلة كادت تصم آذانها ..

هل ضاع العمر بلا جدوى !

لم خانني؟! ماذا فعلت ؟!

ما الشيء الذى أهملته ؟!

هل خانني لأننى أعطيته أكثر مما ينبغي،

فمل عطائي ؟ ما الذى ستمنحه إياه تلك المرأة ولم أمنحه إياه؟

تدفقت مئات الأسئلة تقرع قلبها المحطم بلا هوادة تُفتت ما بقيَّ من جدرانه

ماذا أفعل الآن؟ أعاصير من الغضب كادت تقتلعها من مكانها

هل أتبع أسلوب جداتي وأظل رهينة محبسه؛ أنثى خانعة ترضى بالخيانة ولا تتفوه بنبت كلمة حتى يعودبعدما يمل من الأخرى ؟!

أم أنتقم منه بعدما حطم قلبي واستحال سنوات عمري أمام عيني هباءً منثورا ؟

بماذا سأواجه أولادي ؟ تُرى كيف سيكون حالهم إن تحطمت أمام أعينهم قدوتهم ومصدر إلهامهم ؟

ذلك العظيم الذي صورته لهم كل يوم كيف سيتحول في نظرهم لرجل خائن ؟ هل تستحق الخيانة هذا الثمنالباهظ؟

عشرات الأسئلة تتواثب أمام عينيها تتحدي عجزها وذهولها وإنكارها لكل ما يحدث .

نامت من فرط الإجهاد وكأن عقلها كجزء من ميكانيزماته الدفاعية أدخلها في غيبوبة مؤقتة كي لا تُجن .

في الصباح

دخلت عليه مكتبه وهو يدعو والدته وأخته على العشاء في منزلهما وطلب منها أن تترك العمل لتستعدلاستضافة أهله فرحبت وذهبت

أعدت العشاء واستقبلت الضيوف ودارت أحاديث كثيرة بين الجميع في جو من الألفة كانت قد افتقدته، أخيراخرج زوجها عن صمته المطبق وبدأ يتحدث ويضحك

ذهبت لتُعد الشاي وخرج زوجها ليدخن في الشرفة فلحقت به أخته ولم ينتبه كان ينفث دخان سيجارته وهوشارد الذهن غائبا عن المكان والزمان

قالت : ماذا بك يا أخي ؟

بنبرة مداعبة

اعترف ما الذي يشغل بالك؟ قال لها أتكتمين السر؟ قالت: بالطبع

فاجأها بحبه لامرأة أخرى وعزمه الزواج منها ..

سمعته زوجته وهي تستدعيهما لتناول الشاي

انقبض قلبها وكتمت الأمر بعقلانية شديدة وكأن شيئا لم يحدث .

فى صباح اليوم التالي

أعدت القهوة وهى شاردة على النحو الذى قد ترى فيها الهدوء الذى يسبق العاصفة، وكأنها تختار طريقةجديدة لهدم المعبد، وأثناء شرودها فارت القهوة فضاع الوجه ..

ولم تُعِد غيرها، قدمتها بلا وجه، ودون  وردة ..

لم يلحظ هو غياب الوردة، ولكنه لاحظ تغير القهوة !

فسألها :

لم مذاق القهوة غريب اليوم ؟!

رمقته بنظرة ثاقبة حزينة قائلة:

لم أعد أجيد صنع القهوة !

قد يعجبك ايضا
تعليقات