صورة أم أصل ؟
سمير المطيعي يكتب
دعونا نطلق بعضاً من أفكارنا ونتناقش ولعل فكرة من أفكارك تزيدني فكراً حتى وإن اختلفت فكرتك عن فكرتي.
مقالي اليوم هو مجرد فكرة فيجوز للقارئ أن يوافقني ويجوز أيضاً أن يختلف معي وستظل فكرة مجردة حتي إن اختلفنا حولها فارفع رصيدي من الأصدقاء المتفقين والمختلفين معي علي حد سواء.
اِنها فكرة كما سبق وأوضحت سجينة خلف قضبان عقلي …أريد أن أطلقها لعلي باِطلاق حريتها سوف تفيدني وتفيدك.
فأنا مشغول حقيقة بعبارة كثيرة الاستخدام ” صورة طبق الأصل ” هل هذة العبارة صحيحة منطقياً؟
من منا لم يسمعها من قبل ؟ حينما تذهب لموظف ويقول لك نريد طلب من أصل وصورة طبق الأصل؟
فتقوم حضرتك بكتابة طلب علي ورقتين بينهما ورقة سوداء اسمها كربون ونسمي الورقة العلوية الأصل والثانية نطلق عليها اسم الصورة.
و كمثال آخر حينما يرسم المهندس رسما هندسيا ويعطي نسخة لصاحب المشروع ونسخ أخرى للمقاولين كالكهرباء والتكييف والصرف الصحي والديكور وخلافه .ويقول لصاحب الشأن احتفظت بالأصل عندي في المكتب وهذه مجرد صور.
ومثال ثالث في هذا الشأن حينما تري فناناً وقد رسم لوحة واحدة فقط وتصبح هذه اللوحة ذات قيمة فنية ومادية غالية الثمن ونفيسة …. لماذا ؟ يقولون لك أنها اللوحة الوحيدة والأصلية التي رسمها الفنان بأصابعة الذهبية.
وفرضا ًأخذنا هذة اللوحة وقمنا بتصويرها بآلة تصوير عالية التقنية لدرجة أنك لا تستطيع أن تميز الفارق بين الأصلية والصورة تصبح الصورة أقل بكثر قيمة من الأصلية التي صنعت بيد الفنان
حسناً … هذا ما نقوله والأمثلة كثيرة ذكرنا بعضها للتوضيح فقط.
ولكن دعونا ندخل إلى صُلب الموضوع
حينما يرسم المهندس لوحته الهندسية” الأصل – كما نسميها ” في الواقع هذه اللوحة ليست أصلاً بالمرة … ولكنها صورة حتي وإن كانت أول عمل على أول ورقة لهذا المشروع … نعم إنها صورة بكل ما تحمل الكلمة.
دعونا نوضح بدقة لماذا هي صورة .. فحينما طُلب من هذا المهندس رسم وتصميم عمل معماري مثلا بمواصفات معينه من صاحب الشأن أو مالك الموقع، في الواقع وفي هذه اللحظة وأثناء مناقشة الأمر بين صاحب الشأن وبينه “أي المهندس ” فنجد أن المهندس سرعان ما رسم صورة فورية وسرعان ما طبعها لاشعورياً في عقله وخياله قبل أن يغادر المالك مكتب المهندس؛ هذه الصورة التي طبعت في مخيلته وخزنت في عقله وإن كانت بلا أدنى تفاصيل أو بصورة مشوشة ولكنها صورة عامة لهذا المشروع تم أخذها أو نقلها من بين شفتي العميل إلى مسامع المهندس أو الرسام ثم تمت الترجمة داخل عقله مع إدخال بعض التفاصيل وإجابة بعض الأسئلة المهنية لتصبح الصورة الأولى ونقول الصورة الأولى المخزنة في عقل كل من صاحب الموقع والمهندس.
نحن الآن وحتي هذه اللحظة لم نتكلم عن أي أصل ..
ثم يقوم الرسام المعماري مثلاً برسم خطوطه الرئيسية وبعدها يقوم بعمل التفاصيل لكل جزء وكل زاوية باللوحة إلى أن تكتمل اللوحة بكل دقائقها وتعرض للمناقشة علي صاحب الشأن.
هنا ونقول مازلنا أمام صورة لنناقشها.
فهي صورة طبعت في خيال الفنان بعد ترجمتها من كلام العميل ثم تم رسمها من الصورة المحفورة في الخيال أو العقل عبر إشارات تصل إلى الإرادة والأصابع للتحرك كي ترسم من الصورة الموجودة في خزينة العقل البشري.
أي أصبحت صورة وقد رسمت من صورة أخرى والتي بالطبع قد أُخذت من أصل غير موجود إلا بفكرة ” وللتوضيح ، مثلا رجل اشترى أرضاً ثم فكر أن يبني منشأة ولتكن مصنع “فالأصل هو مجرد الفكرة الأثيرية التي ولدت في عقل وإرادة صاحب الأرض .
وبالمثل حينما يرسم فنان لوحة نادرة وحيدة فريدة لوجة امرأة جميلة مثلاً في الواقع أن الفنان اِختزن صورة وجه هذه المرأة وتفاعل بهذا الجمال بذوقه الرفيع وإحساسه الملهم ثم نقل من هذه الصورة المختزنة بين حنايا ذاكرته وإخرجها على لوحتة بألوانه فولدت في هذه اللحظة صورة أخرى علي لوحة من صورة في خياله من أصل خلق بيد الخالق المبدع.
وهذا ينطبق علي الفنان الذي يرسم لوحته من مانيكان بشري ففي هذه الحالة أيضا يقوم الفنان بعقله بدراسة الشخص المراد رسمه علي اللوحة وبعد دراسة مستفيضة تستغرق بعض الوقت ينفعل هذا الفنان مع مميزات أو نقاط الضعف والقوة للواقف أمامه ثم يقوم عقله بتحليل هذه النقاط وبعدها ترسل الترجمات من عقل الفنان إلى لوحته بألوانه وأقلامه، ومازلنا أيضًا في هذه الحالة نقول أن اللوحة رسمت وأصبحت صورة ولا مكان للأصل إلا في الأصل المخلوق بأمر الخالق.
مما سبق هل نستطيع أن نقول هذا أصل وتلك صورة ؟ كلا
خلاصة القول لا أظن أننا نستطيع أن نقول هذا أصل .. فالكل أمامنا صور .. وفي كل الحالات أخذت صورًا أو رسمت صورًا من صور
ومن قام بطبع الصورة في خيال المبدع أو قام بطبع الفكرة أو الأفكار أو كلمات النثر والأشعار التي تكتب بواسطة الملهمين والموهوبين والشعراء والملحنين نقول من طبع ووهب الفكرة والشعر والرسم
والتصوير والموسيقي لأصحاب المواهب المختلفة هو الله صانع الخيرات وواهب ومانح العقول والمواهب والعطايا والأفكار.
مجرد فكرة .
