القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

رسول الله ﷺ بعيون غربية

128

بقلم د/ محمد بركات
الجزء الحادي عشر
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

رسولنا المصطفي صلي الله عليه وسلم النموذج الكامل والقدوة الحسنة ، وسيرته ﷺ لو قرأها أي إنسان غير مسلم بعين الإنصاف والتجرد ما وسعه إلا تصديقه والإيمان برسالته .

ولم لا؟

وحياته صلي الله عليه وسلم عابرة لحدود الزمان والمكان والحال.

كم من المواقف والأحداث وإن مرت بنا آلاف آلاف المرات ما سلكنا فيها طريقا غير الذي عرفناه وتعلمناه منه ﷺ.

حقا صدق ربنا سبحانه وتعالى إذ يقول:
{ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا }
(سورة الأحزاب ، الآية: 21)

جاء في تفسير الإمام ابن كثير رحمه الله:
هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله ; ولهذا أمر الناس بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب ، في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه ، عز وجل ، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين.

، ولهذا قال تعالى للذين تقلقوا وتضجروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) أي : هلا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله ؟ ولهذا قال : ( لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ) .

ولا زلنا مع شهادة الفيلسوف الإنجليزي “توماس كارليل” ، ( Thomas Carlyle)،
(4 ديسمبر 1795 – 5 فبراير 1881)‏

يقول موثقا وموصفا حال الإسلام عند مجيئه:

“لقد جاء الإسلام على تلك الملل الكاذبة والنحل الباطلة فابتلعها، وحق له أن يبتلعها؛ لأنه حقيقة خارجة من قلب الطبيعة، وما كاد يظهر الإسلام حتى احترقت فيه وثنيات العرب، وجدليات النصرانية، وكل ما لم يكن بحق، فإنها حطب ميت أكلته نار الإسلام، ذهب والنار لم تذهب” .

ويؤكد علي حقيقة أن الإسلام صوت الإنسانية:

“في الإسلام خلة أراها من أشرف الخلال وأجلها، وهي التسوية بين الناس، وهذا يدل على أصدق النظر وأصوب الرأي، فنفس المؤمن راجحة بجميع دول الأرض، والناس في الإسلام سواء، والإسلام لا يكتفي بجعل الصدقة سنة محبوبة بل يجعلها فرضا حتما على كل مسلم، وقاعدة من قواعد الإسلام، ثم يقدرها بالنسبة إلى ثروة الرجل، فتكون جزءا من أربعين من الثروة، تعطى إلى الفقراء والمساكين والمنكوبين، جميل والله كل هذا، وما هو إلا صوت الإنسانية، صوت الرحمة والإخاء والمساواة، يصيح من فؤاد ذلك الرجل محمد – صلى الله عليه وسلم – ابن القفار والصحراء”

ثم يبدي إعجابه في موضع آخر:

“ولكني شديد الإعجاب بالنظر الذي ينفذ إلى أسرار الأمور، فهذا أعظم ما يلذني ويعجبني، وهو ما أجده في القرآن، وذلك -كما قلت- فضل الله يؤتيه من يشاء” .

“كأنما وقعت من السماء شرارة على تلك الرمال، التي كان لا يبصر فيها فضل ولا يرجى فيها خير، فإذا هي بارود سريع الانفجار، وما هي برمل ميت، وإذا هي قد تأججت واشتعلت، واتصلت نارها بين غرناطة ودلهي، ولطالما قلت: إن الرجل العظيم كالشهب من السماء وسائر الناس في انتظاره كالحطب، فما هو إلا أن يسقط حتى يتأججوا ويلتهبوا”.

ويسطر مع المنصفين الغربيين كيف هي رحمة النبي ﷺ وحقيقة وجودها:

“ويزعم المتعصبون من النصارى والملحدون أن محمدا – صلى الله عليه وسلم – لم يكن يريد بقيامه إلا الشهرة الشخصية، ومفاخر الجاه والسلطان، كلا وايم الله! لقد كان في فؤاد ذلك الرجل الكبير ابن القفار والفلوات، المتوقد المقلتين، العظيم النفس، المملوء رحمة وخيرا وحنانا وبرا وحكمة وحجى وإربة ونهى- أفكار غير الطمع الدنيوي، ونوايا خلاف طلب السلطة والجاه” .

 

بل يؤكد علي أن أشرف المحامد وأكرم الخصال هي في رسول الله ﷺ:

“أرى في محمد ( – صلى الله عليه وسلم – ) آيات على أشرف المحامد وأكرم الخصال، وأتبين فيه عقلا راجحا، وفؤادا صادقا، ورجلا قويا عبقريا، لو شاء لكان شاعرا فحلا، أو فارسا بطلا، أو ملكا جليلا، أو أي صنف من أصناف البطل” .

وكيف أنه صلي الله عليه وسلم ماضي العزم وقوي العزيمة:

“كان رجلا ماضي العزم، لا يؤخر عمل اليوم إلى غد، وطالما كان يذكر يوم تبوك إذ أبى رجاله السير إلى موطن القتال، واحتجوا بأنه أوان الحصيد وبالحر، فقال لهم: الحصيد؟ إنه لا يلبث إلا يوما. فبماذا تتزودون للآخرة؟ وأما الحر؟ نعم، إنه حر، ولكن جهنم أشد حرا” .

أما عن جانب من جوانب العبقرية في رسول الله ﷺ وهي ما يمكن تسميته بعبقرية التوازن:

“ولم يك متكبرا، ولكنه لم يكن ذليلا ضرعا… يخاطب بقوله الحر المبين قياصرة الروم وأكاسرة العجم، يرشدهم إلى ما يجب عليهم لهذه الحياة وللحياة الآخرة، وكان يعرف لنفسه قدرها” .

ثم يقررها صراحة ، لهذا أحبه:

“وإني لأحب محمدا – صلى الله عليه وسلم – لبراءة طبعه من الرياء والتصنع، ولقد كان ابن القفار هذا رجلا مستقل الرأي، لا يعول إلا على نفسه، لا يدعي ما ليس فيه” .

ويؤكد علي الإخلاص الشديد والجد في ذلك:

“وما كان محمد – صلى الله عليه وسلم – بعابث قط، ولا شاب شيئا من قوله شائبة لعب ولهو، بل كان الأمر عنده أمر خسران وفلاح، ومسألة فناء وبقاء، ولم يك منه إزاءها إلا الإخلاص الشديد والجد المر، فأما التلاعب بالأقوال والقضايا المنطقية، والعبث بالحقائق فما كان من شأنه قط” .

ثم يعرج علي حقيقة تدمغ كل باطل:

“وعلى ذلك فلسنا نعد محمدا – صلى الله عليه وسلم – هذا قط رجلا كاذبا متمنعا، يتذرع بالحيل والوسائل إلى بغية، أو يطمح إلى درجة ملك أو سلطان، أو غير ذلك من الحقائق، وما الرسالة التي أداها إلا حق صراح، وما كلمته إلا صوت صادق، صادر من العالم المجهول، كلا، ما محمد ( – صلى الله عليه وسلم – ) بالكاذب ولا الملفق، وإنما هو قطعة من الحياة قد تفطر عنها قلب الطبيعة، فإذا هي شهاب قد أضاء العالم أجمع، ذلك أمر الله، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، وهذه حقيقة تدمغ كل باطل وتدحض حجة القوم الكافرين”.

بل من صميم قلب الطبيعة:

“لقد كان منفردا بنفسه العظيمة وبحقائق الأمور والكائنات، لقد كان سر الوجود يسطع لعينيه بأهواله ومخاوفه ومباهره، ولم يكن هنالك من الأباطيل ما يحجب ذلك عنه، فكأنه لسان حال ذلك السر يناجيه: هأنذا. فمثل هذا الإخلاص لا يخلو من معنى إلهي مقدس، وما كلمة مثل هذا الرجل إلا صوت خارج من صميم قلب الطبيعة، فإذا تكلم فكل الآذان برغمها صاغية، وكل القلوب واعية، وكل كلام ما عدا ذلك هباء وكل قول جفاء..

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً وكن بنا وبالمؤمنين رؤوفا رحيما.

قد يعجبك ايضا
تعليقات