القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

رانيا ضيف تكتب بشراكِ يا جدتى

156

رحلت طاقة النور والرحمة والمحبة عن دنيانا، وتركتنا نواجه أعاصير الحزن التى اقتلعتنا من أماكننا فهوت بِنَا لمكان سحيق مظلم بارد؛ لا يُسمع فيه صوت سوى قطرات دموعنا المتساقطة ..
صمت، ومرارة فى الحلق، وألم يقتات براح الروح !
من سيربط على قلوبنا يا حبيبتى بدعاء يصل لعنان السماء ويزرع الفرح والاستبشار فى عمق قلوبنا ؟
لا عجب أن يختار القدر لك اسم بشرى يا جدتي الحبيبة، فكل صباحاتك استبشار، ومحبة، وعطاء، وحكمة، وذكر،فكلماتك البسيطة ما هى إلا لآلىء تضيىء الدنيا من حولنا، وتدفعنا لنواجه الحياة بروح قوية متفائلين بالخير ..
أتعلمين يا حبيبتى؛
كنت قد قرأت أن الكثير من العلماء والفقهاء تمنوا إيمان العجائز أو العوام فقال عنه أبو حامد الغزالي :
” إيمان العوام أثبت من عقيدة علماء الكلام المهلهلة المتزعزعة التي تهزها رياح الشبهات مرة هكذا ومرة هكذا”
علماء قضوا حياتهم فى طلب العلم والبحث والتدبر وبين أروقة العلم وأهله وانتهى بهم المطاف بتمنى إيمان العجائز !
لم أقتنع حتى رأيتك يا حبيبتي عندما غادر الدنيا ابنك الأكبر الذى كانت تهتز الأرض والقلوب لخطوته حبا، واحتراما، وتوقيرا، ومهابة، فانهار الجميع رجالا ونساء حتى الأطفال وصمدتِ أنتِ وحدك بكلمات الحمد والصبر !
فى الوقت الذى كان يتحسس الرجال طريقهم من هول الصدمة والحزن الذى كسر الظهر، كنتِ أنتِ فى قمة التسليم والرضا .
سمعتك فى جوف الليل أثناء نومك بعد وفاته بفترة تقولين: استودعت حبيبي عندك يا حبيبي..
وكلمات أخرى لم أعد أذكر منها سوى إحساس اليقين والقرب والتسليم لقضاء الله وقدره .
أتعلمين يا جدتي أنك من علمتنى الرحمة !
قلبك الرقراق العطوف الذى لا يتوانى عن التماس الأعذار للمسيء، ويدك التى كانت
تفيض بالعطاء وكأن الكرم نزل هبة من السماء ليديك ثم نال منه الخلائق حظهم .
شهد لك رسول الله عليه صلوات ربى وسلامه فى حياتك بالصلاح فى رؤية طويلة مع أمي، وحين طَلَبَت منه أن يدعو لك؛ رفع يده عاليا وقال لها
(أمك من الصالحين )
فأى قلب كان قلبك يا حبيبتي ؟!
أذكر عندما كنّا نستيقظ فجرا لاستذكار دروسنا فى الثانوية العامة كنتِ توقظيننا وتصلين الفجر وتجلسين معنا ممسكة بكراسة وقلم، وتكتبين لتشاركيننا الشعور وتحفزيننا على الاجتهاد .
كنتُ حينها أتعجب لم لا تنامين يا حبيبتي والجو بارد بل شديد البرودة ولا شيء يدفعك لترك نومك والدفء ؟!
لم أعِ وقتها أن تصرفك كان تحفيزا على طلب العلم ومشاركة فعلية بالقول والعمل
حتى لو كلفك الأمر ترك نومك ودفء سريرك والجلوس معنا لساعات دون كلل ولا ملل !
كنت أحب أحاديثك عن الماضي وعن جدي وعن طبيعة الحياة والنَّاس، وكنت أنبهر بسمو الأخلاق والنبل الذى كان يسود زمنكم ويشبهكم وتشبهونه .
تشتاقك سبحتك يا جدتي، لم تتركيها أبدا طوال حياتك فكانت صديقتك الصدوقة، ولم يجف لسانك أبدا، فدوما كان رطبا بذكر الله ..
كنت أسميها السبحة المشاغبة فكنتِ تنسين أين وضعتيها، فيتطوع فريق البحث عن السبحة المشاغبة، وكل مرة تلمع عيناكِ فرحا عندما نجدها..

لدى الكثير جدا من المواقف التى لو استفضت فى سردها لكتبت عدة كتب عنوانها قلب محب وروح معطاءة.

أثق أن مكانتك عظيمة عند الله ببشرى رسول الله، ولكن هل أتيتِ لى فى رؤية لتطفئي شوقى إليكِ؟! فقد حالت الغربة بينى وبين لمس وجهك، وتقبيل جبهتك ويديكِ قبلة الوداع،
فسلام الله عليكِ يا حبيبتي، وإلى لقاء يشملنا بالمحبة، ويغمرنا بالنور .

قد يعجبك ايضا
تعليقات