القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

الثورة الصناعية الرابعة وأثرها على التعليم الفني والتدريب المهني TVET4.0″ الجزء الثاني “

112

القاهرية

بقلم/ طارق غيث
تناولنا في المقال السابق تطور الصناعة عبر الثورات الصناعية الأولى والثانية والثالثة وصولًا لما نشهده الآن من بوادر الثورة الصناعية الرابعة، والطموح اللامتناهي للإنسان الطامع إلى أقصى قدرات الأتمتة والتحكم، كما ذكرنا سابقًا، فمصطلح التعليم الفني والتدريب المهني TVET4.0 يشير إلى التحولات في قطاع التعليم الفني والتدريب المهني تلبية لمتطلبات الثورة الصناعية الرابعة Industrial Revolution 4.0 والمتعارف عليها (IR4.0)، فقد أحدثت هذه الثورة طفرة كبيرة فى الصناعة، عنوانها الأتمتة، وروحها الرقمنة، وسوف يحدث ذلك المفهوم تغييرات جذرية في الإنتاج، والنماذج الاقتصادية، ونماذج الأعمال، بالإضافة إلى إجراءات العمل، وسيكون تحديد وتصميم وتطوير الجدارات المناسبة وتدريب الأيدى العاملة عنصرًا مهماً في اتخاذ القرارات الموجهة بالأدلة لمزيد من تطوير أنظمة التعليم والتدريب الفنى والمهني.
ولمواجهة التحديات التى يفرضها التعليم الفني والتدريب المهني TVET4.0، يجب معرفة الاتجاهات الحالية والتطورات التقنية المتعلقة بالرقمنة والصناعة Industry 4.0، و تقييم متطلبات التعديلات في العناصر المتنوعة لأنظمة التعليم الفني والتدريب المهني، واشتقاق وصياغة استراتيجيات لعمليات التغيير والتطوير ذات الصلة لتدريب الأيدى العاملة.
علاوة على ذلك ، يعتمد TVET4.0 ومستقبل العمل بدرجة أقل على إكساب الطلاب المعارف النظرية والمفاهيم المجردة، فالأمر لم يعد متعلقًا بإظهار المعارف والمهارات، بل بتكامل وتبادل هذا التوليف مع التقنيات الرقمية المذهلة، بما يتطلب تطبيق المهارات المتقدمة، وضرورة تطوير المهارات وإعادة تشكيلها، والتركيز على التكامل “الواقعي” الذى يعكس رؤية المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس عام ٢٠١٩ حول مستقبل العمل، الذى دعت فيه الرئيس التنفيذي لشركة IBM “جيني روميتي Ginni Rometty” إلى تطوير نموذج مهني وتعليمي جديد، أطلقت عليه “ذوي الياقات الجديدة “” new collar، وليس “ذوي الياقات الزرقاء blue collar ” وهم أصحاب المهارات البدنية، أو”ذوي الياقات البيضاء white collar” ” وهم أصحاب المهارات الذهنية، وأشارت إلى أن ذلك الأمر يتطلب الاستثمار في تنمية هذه المهارات الجديدة، ليس هذا فحسب، بل والاستجابة الآنية السريعة لمشهد المهارات المتغير، وأكدت على أن “الياقة الجديدة” هي التي تبشر أكثر من أي وقت مضى بأهمية ودلالة المعيار المطبق في الاقتصاد الجديد.
من ناحية أخرى، فإن المشهد الحالى يفرض على صانعى القرار العمل على التطوير المستمر للاستراتيجيات التعليمية، لتكون على قدم المساواة مع التحول الرقمى، وبناء عليه، يجب أن يعمل نظام التعليم على مواكبة التطور، والتركيز على الإقتصاد الصناعى باعتباره محل الاهتمام فى الثورة الصناعية الرابعة (IR4.0)، والتحول به لتلبية المتطلبات المستقبلية التي تركز على الأتمتة والتحول الرقمى، وهو ما يتطلب مرونة فى النظام التعليمى ومناهج التعليم والتدريب الفنى والمهني (TVET) لتلبية متطلبات الصناعة IR4.0 ، ويسرع بتوفير رأس المال البشري عالي الجودة، لا سيما أولئك الذين لديهم القدرة على المنافسة لتلبية احتياجات الأسواق الصناعية المحلية والعالمية؛ بالإضافة إلى تكامل مناهج البرامج التعليمية التي تقدمها مؤسسات التعليم والتدريب الفنى والمهني مع التكنولوجيا الحالية، مما يتطلب فهمًا عميقًا للثورة الصناعية الرابعة IR4.0.
إن الفهم العميق للثورة الصناعية الرابعة IR4.0 يتطلب التركيز على الأركان الرئيسية والركائز التكنولوجية التى يقوم عليها الاقتصاد الصناعى، على سبيل المثال، تركز بعض الدول فى خوضها للثورة الصناعية الرابعة IR4.0 على تسعة مجالات هى:
1. الروبوتات المستقلة Autonomous Robots
2. تحليلات البيانات الضخمة Big Data Analytics
3. الحوسبة السحابية Cloud Computing
4. إنترنت الأشياءInternet of Things (IOT)
5. التصنيع الإضافي (الطباعة ثلاثية الأبعاد) Additive Manufacturing (3D printing)
6. تكامل النظام System Integration
7. الأمن السيبراني Cyber-security
8. الواقع المعزز Augmented Reality
9. المحاكاة Simulation
يمكن وصف هذه التقنيات التسع المذكورة أعلاه باعتبارها اللبنات الأساسية للصناعة IR4.0، والتي تساعد في تعزيز الإنتاج من خلال دمج وأتمتة عمليات الإنتاج والآلات المعزولة، لتحسين تدفق الإنتاج، مما يؤدي إلى زيادة الكفاءة وتغيير علاقات الإنتاج التقليدية بين الموردين والمنتجين، والعملاء، وفوق كل ذلك تغيير العلاقة بين الإنسان والآلة ليصبح –كما يطلق عليه البعض- “بيرسونا المستقبل ٤,٠ Future Persona 4.0”.
نماذج لمواجهة أنظمة التعليم فى بعض الدول لتحديات عصر الصناعة IR4.0
يشير البعض إلى عصر الصناعة ( Industrie 4.0) على أنه مصطلح لتقنيات ومفاهيم تنظيم “سلسلة القيمة Value chain”، التى تتضمن المصانع الذكية الهيكلية المعيارية في (Industrie 4.0)، وسوف تراقب الأنظمة السيبرانية الفيزيائية (Cyber Physical Systems CPS) العمليات المادية، وتخلق نسخة افتراضية من العالم المادي وتتخذ قرارات لامركزية؛ وتتواصل الأنظمة السيبرانية الفيزيائية CPS وتتعاون مع بعضها البعض ومع البشر في الوقت الفعلي عبر إنترنت الأشياء (IoT)، وعبر إنترنت الخدمات (Internet of services IoS).
من خلال هذا التعريف تم تحديد مبادئ التصميم فى IR4.0 على النحو التالى:
١. قابلية التشغيل البيني Interoperability: أى قدرة أجهزة الاستشعار والأشخاص على التواصل مع بعضهم البعض عبر إنترنت الأشياء (IoT) أو إنترنت الخدمات (IoS).
٢. المحاكاة الافتراضية Virtual simulation: ويشمل ذلك مراقبة العمليات المادية من خلال نسخة افتراضية من العالم المادي باستخدام بيانات المستشعر المرتبطة بالنماذج الافتراضية ونماذج المحاكاة.
٣. اللامركزية Decentralization: تُمكِّن أجهزة الكمبيوتر المضمنة الآلات من اتخاذ القرارات بنفسها ، مما يقلل من التخطيط والتحكم المركزي.
٤. القدرة في الوقت الفعلي Real-time capability : يتم جمع البيانات وتحليلها في الوقت الفعلي بحيث يمكن اتخاذ قرارات سريعة وحاسمة، على سبيل المثال، في حالة فشل الجهاز يمكن إعادة توجيه المنتجات إلى جهاز آخر.
٥. توجيه الخدمة Directing the service: يشمل تقديم خدمات الشركات والأنظمة الفيزيائية الإلكترونية وانترنت الخدمات (IoS)، كما يمكن استخدامها من قبل المشاركين الآخرين داخليًا وخارجيًا.
٦. النمطية Modularity: الأنظمة المعيارية قادرة على التكيف بمرونة مع المتطلبات المتغيرة عن طريق استبدال أو توسيع الوحدات الفردية.
إن الطاقة الحقيقية للدول تكمن فى عقول أبنائها، والحكومات الخبيرة تستثمر الكثير من الإبتكار والإبداع والإنتاج والبحث العلمى فى هذه العقول، فأنظمة التعليم العالي فى العديد من البلدان تتبنى أجندات الإصلاح في التعليم الفنى والمهني بهدف توجيه الطلاب لتلك المسارات وتعزيزها، على سبيل المثال، أعلنت المملكة المتحدة، في أبريل ٢٠١٩ عن إنشاء ١٢ معهداً تكنولوجيًا جديداً بدعم ١٧٠ مليون جنيه استرلينى من التمويل الحكومي، هذه المعاهد الجديدة ستكون بمثابة تعاون فريد بين الجامعات وكبار رجال الأعمال فى القطاع الخاص مثل نيسان وسيمنز ومايكروسوفت، و دبليو كيه، وستقدم هذه المعاهد الجديدة تعليمًا فنيًا عالي المستوى للمساعدة في إغلاق فجوات المهارات الرئيسية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
كما أصدرت جمهورية الصين الشعبية ملف خطة تنفيذ إصلاح التعليم المهني (مجلس الدولة ، ٢٠١٩) الذى يهدف إلى تحسين النظم والسياسات والمعايير الوطنية في الكليات المهنية والجامعات التي تقدم برامج تطبيقية لإعداد القوى العاملة بشكل أفضل لتغذية الاقتصاد الموجه نحو السوق.
أما ماليزيا فقد سلطت الضوء على التعليم ٤,٠ بشكل أكبر لاحتضان الثورة الصناعية الرابعة كجزء من الدعوة لتجديد نظام التعليم العالي الماليزي، وفى سبيل ذلك، ركز النظام التعليمى الماليزى على التطورات التكنولوجية في IR4.0 ، لا سيما فى الطباعة ثلاثية الأبعاد، و”الهولوغرام Hologram “، و”القياسات الحيوية “Biometrics ، و”شاشات LCD متعددة اللمس Multi-touch lcd screens” ، و”إنترنت الأشياء “The Internet of things ، و”البيانات الضخمة “Big data ، و “qr-code للأغراض التعليمية”.
ولم تغب اندونيسيا عن عصر الصناعة 4.0 IR، لكنها اتجهت بقوة نحو التحول من مفهوم “الجدارات المحددة Specific competencies” إلى مفهوم “الموهبة أو الاقتدار Capability”، بمعنى الانخراط في أحدث أنماط العمل والتوجه نحو التعليم الفنى والمهني المرن من خلال تطبيق الأنماط المعيارية جنبًا إلى جنب مع “نظام الكتلة Block System”، ليصبح نموذجًا تكامليًا يمكنه دمج كل من “التعليم الرسمي “Formal education و”التعليم غير الرسمى “Informal education مما يوفر لشركاء الصناعة الأيدى العاملة المدربة بسهولة، خاصة فى مجالات الحوسبة المعرفية Cognitive computing، والحوسبة السحابية Cloud computing، وانترنت الأشياء The Internet of things، والأمن السيبرانى Cybersecurity، وتؤدي هذه الخصائص الأربع إلى تغييرات أساسية للغاية في أنماط العمل في العالم الصناعي، وقد توقع المنتدى الاقتصادي العالمي أنه بحلول عام ٢٠٢١، ستضيع المهارات القائمة لتحل محلها مهارات عمل جديدة ومختلفة، الأمر الذى سوف يؤدى إلى تغييرات سريعة في أنماط العمل.
وقد خطت مصر خطوات حثيثة فى هذا الاتجاه، وكانت النواة الاولى مع إنشاء المجمعات التكنولوجية، ثم مدارس التكنولوجيا التطبيقية، ثم التوسع فى الجامعات التكنولوجية والأهلية، وسوف تشهد الفترة المقبلة إنشاء هيئة ضمان جودة برامج التعليم الفنى، والمركز القومى لتطوير التعليم الفنى، وقريبًا افتتاح أكاديمية الهيئة العربية للتصنيع والتدريب، بما يضمن تدريب المعلمين على “الياقات الجديدة New collar” التى تتطلبها الصناعة ٤,٠ (Industry 4.0).
علاوة على ذلك، يُظهر مقال “جيم كليفتون Jim Clifton” في مدونته الخاصة بعنوان “الجامعات: الاضطراب قادم Universities: Disruption Is Coming”، أن شركات مثل Google و Ernst & Young ، قد فتحت باب العمل للموظفين دون الحاجة إلى شهادات جامعية، إن هذا المعنى يحمل دلالة هامة، وهى أن الجامعات لم تعد تلبى احتياجات هذه الشركات Google و Ernst & Young لأن كلتا الشركتين تتطلب قدرات أخرى غالبًا لا توفرها المناهج الجامعية، ولهذا السبب يرى “كليفتون” إنه من المحتمل جدًا أن تخسر الجامعة كثيرًا من طلابها، لأن ما يتم تدريسه لا يتناسب مع ما يحتاجه العالم الجديد، ويضيف “كليفتون” أن التعليم الفنى والمهني يواجه تحديًا صعبًا في عصر الصناعة 4.0. لأن الجامعات تركز على إتقان المعارف النظرية فقط ولا تقوم بتحديثها، خاصة التعليم الفنى/المهني الذي كان يركز على المهارات العملية، سوف يتأثر بشكل كبير، لأن الأتمتة قد حلت محل العديد من الوظائف اليدوية، كما حلت تكنولوجيا المعلومات محل الأعمال الكتابية.
وربما السؤال الذى يفرض نفسه الآن هو: كيف يواجه التعليم الفنى/المهني هذا التحدي؟! وكيف تتمكن الأنظمة التعليمية من تجهيز خريجيه بنجاح لدخول مجال العمل؟!!
وللإجابة على هذا السؤال، لابد ونحن فى عصر الرقمنة من تغيير النظرة القديمة للتعليم الفنى/المهنى الذى يقوم على الأعمال البدنية بالطرق التقليدية، وبالتأكيد ستتغير طبيعة العمل ليكون تعاونيًا بشكل متزايد، ويركز على حل المشكلات المعقدة بطرق إبداعية، من أجل التكيف مع بيئات العمل في الصناعة 4.0، كما سيتطلب العمل مهارات متعددة التخصصات، والتى يمكن الحصول عليها من خلال الخضوع للتدريب على مهارات جديدة، أو صقل المهارات الكائنة، أو إعادة صقلها.
واستنادًا إلى توصيات المنتدى الاقتصادي العالمي عام ٢٠١٦ التي تناولت وظائف المستقبل، فإن المهارات الناشئة التي يُنظر إليها على أنها مطلوبة في القوى العاملة المستقبلية، وبالتحديد في بيئة عمل الصناعة IR4.0، والتى يجب العمل بشكل حثيث على إكسابها لطلاب التعليم الفنى/المهنى على وجه السرعة لمواجهة تحديات التعليم (Education 4.0) هى:
١. التفاوض Negotiation
٢. المرونة المعرفية Cognitive flexibility
٣. توجيه الخدمة Service orientation
٤. الحكم واتخاذ القرار judgment and decision-making
٥. الذكاء العاطفي Emotional intelligence
٦. التنسيق مع الآخرين Coordination skills with others
٧. إدارة الأفراد People management
٨. الإبداع Creativity
٩. التفكير النقدي Critical thinking
١٠. حل المشكلات المعقدة Complex problem solving
لا شك أن ذلك سوف يتطلب مزيد من التفكير خارج الصندوق لتصميم وتطوير استراتيجيات تعليمية تتكيف وتتناسب مع طبيعة التعليم الفنى/ المهنى، وهو ما تتبارى فيه الأنظمة التعليمية فى كل القارات، وداخل القارة الواحدة، بل وداخل البلد الواحد، لا سيما البلدان التى تتبنى انظمة التعليم اللامركزية.

قد يعجبك ايضا
تعليقات