بقلم رانيا ضيف
حينما أكتب يخيل لي أنني أمسكت بشمعة وتجولت داخل قلبي المظلم أكتشف بواطن الجمال ومخابىءالحزن ودهاليز الألم، أبحث عن جذوة الشغف ومناطق الفرح ومبعث السعادة .
فأنا أكتب لأعبر حدود الزمان والمكان، فأنفصل عن العالم وأتحد مع روحي فى عوالم متباينة مثيرة، فأحيا حيوات كثيرة وأختبر كل أنواع المشاعر .
أكتب لأرى مكنوني بعدسات مكبرة فتتجلى الحقائق والأفكار بوضوح،
تولد الفكرة وتتجسد فتصبح كيانا يحيا بين الناس فتتحرر المشاعر والمخاوف وتتحقق الآمال، أي أكتبلأغير واقعا لا أقبله .
أكتب ربما تلامس كلماتي قلوب موجوعة قد تجمد فيها الشعور فيذوب صقيعها رويدا رويدا فيحيا القلب متحررا من براثن الخيبات .
أكتب ربما أنتج معزوفة فريدة من الكلمات نغماتها الحب وأوتارها شغاف القلب.
وربما لا نكتب لشئ سوى أنها حالة نهيم بها بعيدا عن الواقع فنلامس أحلامنا وأفكارنا العميقة، وكأنها حالة من التأمل .
بالكتابة نعبر عن أحلامنا الضائعة، عن الحياة التى كنّا نريد أن نحياها لعلنا حينما نتصورها تتحقق فلا تتحطم صورها على أعتاب الواقع .
نوثق بالكتابة لحظات العمر المؤثرة فهي ذاكرة فوتوغرافية .
الكتابة تنقي أنفسنا من شوائبها فى لحظات صدق، نتخلص بها من آثار وجع دفين عَلِق فى الذاكرة فعرقل حياتنا .
فو أردت أن تنجو بنفسك من آثار حزن قديم فلتكتب ما تشعر به بتفصيل ممل ثم تحرق ما كتبت وكأنك جسدت الألم فأنهيته .
وربما لو ذكرنا مئات الأسباب لما عرفنا لماذا نكتب، فالكتابة حب وأصدق الحب الذي لا تعرف له سببا .
ولكن يظل أجمل أنواع الكتابة وأرقها هى تلك القصص التى تأخذ القلب وتترك لك عبرة، تلك القصص التى تسحبنا من عالمنا لنغيب فى أحداثها متقمصين بعض الشخصيات فنحيا بها حيوات جديدة .
ظل سؤال “لماذا نكتب ؟”
محيرا للكُتاب على مختلف ثقافاتهم وأجناسهم، فاختلفت الإجابات والأسباب من كاتب لآخر .
فكتب چورچ أورويل كاتب رواية مزرعة الحيوان الشهيرة كتاب تحت عنوان “لماذا أكتب ؟” والذي ضم مجموعة من المقالات حاول فيها الكاتب أن يجيب على أسئلته حول أسباب الكتابة لديه
فعدد أسباب اجتماعية وأخرى سياسية وأخرى نفسية ودوافع تاريخية .
يقول الكاتب العراقيّ “عبد السّتّار ناصر” في كتابه “سوق السّراي” : أنا مملوءٌ بالحياة ومزحومٌ بأسرارها الجميلة، أرى البحر من نافذة بيتٍ صحراويّ مزروع بأشواك الصّبّير، ولهذا أكتب .
تقول كاثرين هاريسون: “أكتب لأن هذا الشيء الوحيد الذي أعرفه والذي يمنحني الأمل بكوني جديرة بالمحبة “
أمّا نزار قبّاني فيقول:
أَكْتُبُ..
كيْ أُفَجِّرَ الأشياءَ، والكتابةُ انفجارْ
أكْتُبُ..
كي ينتصرَ الضوءُ على العُتْمَةِ،
والقصيدةُ انتصارْ..
لكل كاتب أسبابه ودوافعه، وتبقى الكتابة اللغز والشغف والحب والسحر الذي يختطفنا فندور في مداره إلى أن نفنى .