القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

شيخ المعماريين وصاحب توسعة الحرم المكي الشريف… المهندس محمد كمال اسماعيل ….

106

تقرير _ محمد زغله

منذ بداياته وهو فى مكانة خاصة، فكان قدره أن يكون «الأول والأصغر» دائما فى مسيرته المهنية الاستثنائية، نال العديد من الألقاب منها «البكوية»، التى منحها له الملك فاروق، وكذلك كان من نصيبه لقب «أستاذ الأجيال»، ونال تكريما خاصا من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، عاهل السعودية، على أهم إنجازات حياته، هو الدكتور المهندس محمد كمال إسماعيل، عبقرى العمارة الإسلامية.

ولد إسماعيل فى سبتمبر عام 1908 بميت غمر فى محافظة الدقهلية، والتحق بمدرسة ميت غمر الابتدائية عام 1915، ثم المدرسة العباسية فى الإسكندرية عام 1919. وفى يونيو عام 1927 حصل على دبلوم المدرسة الهندسية الملكية قسم العمارة، وكان عدد أفراد الدفعة 7 طلاب فقط، وكان هو الأول عليهم، كما كان أصغرهم سنا.

وتحدث الكاتب مصطفى السعدنى، فى كتابه «نجمان من بلدى»، الصادر على هامش الدورة الـ22 لمهرجان الدقهلية الثقافى، عن بدايات المهندس محمد كمال إسماعيل. ففى ذات عام تخرجه، أجرت مصلحة المبانى الأميرية مسابقة لاختيار الخريجين المؤهلين للسفر إلى باريس للحصول على الدكتوراه فى الهندسة المعمارية. وبالطبع وقع الاختيار على محمد كمال كونه الأول على دفعته، وسافر فى نوفمبر عام 1927، وبعد ست سنوات من الدراسة والمثابرة، حصل على الدكتوراه بتقدير ممتاز، ثم حصل بعدها على دكتوراه ثانية فى مجال الإنشاءات، ليعود إلى مصر ويعين بوزارة الأوقاف، قسم الهندسة، ويسند إليه الكثير من التكليفات لتصميم مساجد ومستشفيات.

وتكررت متلازمة «الأول والأصغر» فى مطاردتها للمهندس محمد كمال، كما جرى من استغناء مصلحة المبانى الأميرية التابعة لوزارة الأشغال عن مجموعة المهندسين الفرنسيين والانجليز، الذين يتولون مسئولية الأعمال المعمارية بها. وتم الاكتفاء بالمهندس محمد كمال ليتولى مسئولية قسم العمارة والتصميمات، كأول مصرى يتقلد ذلك المنصب. واستمر عمله بالمصلحة حتى بلغ درجة مدير عام.

كان المهندس الفذ صاحب تصميمات استثنائية مثل مسجد «المرسى أبو العباس» بالإسكندرية، و«دار القضاء العالى»، و«مصلحة التليفونات»، وكذلك كان الرجل وراء تصميم «مجمع التحرير» عام 1951.

المهمة المقدسة

أدرك الملك فهد بن عبدالعزيز (1920- 2005) قيمة المعمارى المصرى الموهوب، فاستدعاه عام 1953 وأوكل إليه مهمة إعداد التصميمات الخاصة بمشروع توسعة الحرم النبوى الشريف، والإشراف على عمليات التنفيذ. وكانت هذه أكبر عملية توسعة للحرم منذ قرون عديدة. وبعد خمس سنوات أسند إليه عملية أخرى، وهى توسعة الحرم المكى الشريف على مساحة 20 ألف متر مربع، على دورين وجزء من طابق الخدمات الموجود تحت الأرض، ثم كان تكليفه بمشروع توسعة «البقيع».

وكان ذلك المشروع تمهيدا لحصوله على جائزة التفوق فى العمارة، والممنوحة من منظمة المؤتمر الإسلامى، وسلمها له الملك فهد شخصيا. ومن أبرز الجوائز التى حصل عليها الدكتور محمد كمال «نيشان النيل» سنة 1942 وكان عمره 32 عاما فقط نظير إشرافه على بناء مسجدين بالإسكندرية. وفى عام 1947 منحه الملك فاروق لقب «البكوية» بسبب إعداده مجلدين عن مساجد مصر التاريخية باللغتين العربية والانجليزية. كما أسبغت عليه نقابة المهندسين لقب «أستاذ الأجيال»، وكرمته ألمانيا بسبب خلق صناعة جديدة بها من خلال المظلات الكهربائية، التى عرفها العالم على يديه حينما شوهدت لأول مرة وهى تزين ساحات الحرم وعددها 21 مظلة لحماية المصلين.

وقفة مع إنجاز

وحكى الكاتب الصحفى صلاح منتصر فى واحد من أعمدته المنشورة بالأهرام عن الدكتور كمال إسماعيل، قائلا: «كل حاج ومعتمر وزائر للحرمين الشريفين يذكر الدكتور كمال إسماعيل بالخير والامتنان والتقدير للتوسعات الكبيرة التى أحدثها بالحرمين الشريفين، فالحرم النبوى زادت مساحته بمعدل زيادة سبعة أضعاف، من 14 ألف متر إلى 104 آلاف متر مربع، والحرم المكى من 265 ألف متر إلى 315 ألف متر مربع، وهى التوسعات التى أشرف عليها بكل ما تضمنته من مشروعات التوسعة والمظلات والتكييفات والجراج الذى يسع لـ 5000 سيارة تحت الأرض، كما أنه أول من وضع الرخام الأبيض لتغطية أرض الحرمين الذى لا يتأثر بالبرودة ولا الحرارة، وبلغ إجمالى تكلفة الأعمال 18 مليار دولار. ويزيد صلاح منتصر فى مقاله: «أخبرنى الدكتور كمال إسماعيل بنفسه أن العمود الذى يحمل المظلة عبارة عن عمود من الحديد المفرغ من الداخل ومغطى بالرخام من الخارج وحينما تفتح المظلة الواحدة أوتوماتيكيا تغطى مساحة 24 مترا».

أما الدكتور أحمد نوار، فيشير فى مقال نشر له فى «أخبار اليوم» بعنوان «العبقرى المنسى»، قائلا: بخصوص التوسعة الثانية للحرم المكى..أفادنى المعمارى المصرى محمد كمال إسماعيل بأنه وضع فى الاعتبار فىأثناء التصميم مراعاة تطوير العمارة الإسلامية وتصميم زخارف وتقسيمات الأسقف، كما وضع حلولا علمية لإمكانية «تكييف» الحيز الفراغى للتوسعة التى تبلغ تسعين ألف متر مربع والذى نفذ بقوة 154 ألف طن، وهو أعلى معدل لتكييف حيز فراغى فى العالم.

ورفض المهندس المصرى الحصول على الملايين مقابل توسعة الحرمين الشريفين، قائلا: «أنا آخذ مال على الحرمين الشريفين..فكيف أواجه ربى؟»، وذلك قبل وفاته عام 2008 عن عمر يناهز الـ 99 عاما.

قد يعجبك ايضا
تعليقات