بقلم د.محمد فؤاد منصور
أنا مصري حتى النخاع .. لم يخطر بخيالي يوماً أن أرحل عن مصر، كنت مثل ملايين المصريين الذين يلتصقون بأرضها ولايفكرون في الاغتراب .. نشأنا على مقولة إن المصري مثل السمكة لاحياة له خارج الماء … وشاهدنا بأعيننا الجاليات الأجنبية التي استوطنت الأسكندرية، أغلبهم يونانيون وإيطاليون تنتشر حوانيتهم في أرجاء المدينة ويتحدثون لغة عربية كسيحة كنا نبتسم ونتعمد الذهاب إليهم والشراء منهم لنستمتع بسماع هؤلاء الناس الذين عجنوا اللغة وخبزوها وخرجوا لنا بلسان لاهو مصري ولاهوأجنبي .. كانت مصر دولة تجذب إليها كل الطامعين في المجد أو الثراء أو كليهما أما الإسكندرية فكانت على عهد طفولتنا مدينة عالمية … كانت جميلة وهادئة ونظيفة .
أما المصري الحقيقي فقد كان ملح الأرض ملتصق بها وممتزجة خلاياه مع نسيجها ولم يكن يفكر في سفر أو هجرة مهما ضاق به الحال ، كانت كل الألفاظ المرتبطة بالسفر كأنها لغة غريبة عنه لا يحسن نطقها ولا التعامل معها فيعطيها أسماء وصفات تقربها لثقافته ومفرداته حتى وإن بدت أكثر غرابة من أسمائها الأصلية أو ربما أكثر طرافة ، هكذا صارت السفارة ، الصوفّارة والباسبور ، الباظابورت ،وتذكرة الطائرة ، “السَرْكْ ” لأنها أكبر من تذكرة القطار أو الترام وبها أكثر من صفحة !!
هو ذاته المصري الذي سمى الأتومبيل الترومبيل أو الكومبيل فزاد أسماءها غرابة وتعقيداً .
يُتبع