القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

الأدب المُقارن

119

القاهرية

نشأ الأدب المُقارن في فرنسا في أوائل القرن التاسع عشر، ويعتبر عصر القوميات الذي ارتبط بأهمية التاريخ والذي عني عناية خاصة بالتراث والفلكلور الشعبي. وتعتبر جريدة لو جلوب (Le Globe) هي جريدة أدبية أسست عام 1824 وتعبر عن النقد، كما ابتكر “جوته” (Goethe) قائلاً :

اني أحب تعلم الآداب الأجنبية وانصح كل شخص بأن يسعي إلي تعلُمها من جانبه . 

وقد تزامن نشأة الأدب المقارن مع الأدب القومي الليبرالي المُنفتح الذي تطور من خلاله النقد الفرنسي المحترف، ولقد مهدت العلوم الطبيعية لمُقارنة الظواهر المُتشابهة . والأدب المقارن فرع من فروع العلم يُدرسُ من خلاله الأدب القومي من حيث تأثره أو تأثيره في آداب قومية أخرى. وهو بوصفه فرعاً من فروع العلم يخرج من منطقة الإبداع الأدبي إلى منطقة دراسة الإبداع الأدبي.

عرف الناقد الأمريكي هنري رماك الأدب المقارن بأنه دراسة الأدب خلف حدود بلد معين، ودراسة العلاقات بين الأدب من جهة ومناطق أخرى من المعرفة والاعتقاد من جهة أخرى، وذلك من مثل الفنون (كالرسم والنحت والعمارة والموسيقى) والفلسفة، والتاريخ، والعلوم الاجتماعية (كالسياسة والاقتصاد والاجتماع)، والعلوم والديانة، وغير ذلك.

والأدب المُقارن هو علم الانتقال من بلد إلى آخر، من لغة إلي أخرى، ومن شكل تعبيري إلى آخر.

وهو فن منهجي يبحث عن علاقات التشابه والقرابة والتأثير، كما يسعي للتقريب بين الأدب وبين مجالات التعبير والمعرفة الأخرى، وكذلك إلى التقريب بين الظواهر والنصوص الأدبية بعضها وبعض، سواء المُتباعدين منهم وغير المُتباعدين لهذه النصوص في الزمان والمكان.

 ولكن شريطة الانتماء إلى لغات وثقافات مُتعددة من أجل الوصول إلى وصف أكثر دقة، ومن أجل فهم وتذوق أفضل لها .

 وباختصار هو مقارنة أدب معين مع أدب آخر أو آداب أخرى، ومقارنة الأدب بمناطق أخرى من التعبير الإنساني”.

كما أن مصطلح (الأدب المقارن) غير دقيق في مدلوله على المراد، لأن الأدب المقارن منهج في الدراسة وليس أدباً إبداعياً، والصواب أن يقال في المصطلح: (الدراسة المقارنة للأدب) أو نحو ذلك من المصطلحات، لكن مصطلح (الأدب المقارن) شاع وذاع وراج بين الباحثين لخفته وسهولته. 

وقد لخص موريس فرانسوا جويار (Maurice Francois Guyard) في بدايات عمله كمتخصص في الأدب المقارن عام 1951 مفهوم الأدب المقارن بتسجيل “تاريخ العلاقات الأدبية العالمية، تبين لنا أجمل النجاحات المحلية تعتمد دائماً علي الأساسيات الأجنبية” . أما تاريخ الأدب العام فقد أكد فان تيجيم (Van Tieghem) أنه يعني توحيد تاريخ الآداب المختلفة: حيث ينسج الأدب المقارن بين الأعمال الأدبية المختلفة تفاصيل تاريخ الأدب أكثر عمومية وشمولا.

 إلي هنا تعود نشأة مفهوم كلمة ” الأدب العام ” . 

ولفد كان كوفيين (Cuvien) هو الذي أعطي للمقارنة في العلوم الطبيعية معناها الحقيقي ببحثه المعنون “التشريح المقارن” (1800-1805). ولقد وُلد بالفعل الأدب المقارن في 12 مارس 1830 في مرسيليا في الجامعة الحرة المعروفة (الأتينة) التي كانت تُدرس بها الأفكار الليبرالية تحت غطاء من الآداب والعلوم . 

حيث تحدث جون جاك أمبير (Jean-Jacques Amperee) في خطبته الافتتاحية لمحاضراته العامة في جامعة الوربون عن التاريخ المقارن لأداب والفنون عند جميع شعوب الأرض بعنوان الأدب الفرنسي وعلاقته مع الآداب العالمية في العصور الوسطي عن دراسات مقارنة بدونها لا يكتمل التاريخ الأدبي.

يعتبر كل من فيلمان (Villemain) وشال (Chasles) من رواد الأدب المقارن إلي جانب جون جاك أمبير، فلقد استخدم فيلمان لأول من مرة في المقدمة تعبير الأدب المقارن حيث قال أنه أراد أن يُظهر المقارنة أن ما يدين به الفكر الفرنسي أعاد لأداب الأجنبية.

كما لخص شال بمناسبة محاضرته الافتتاحية في 17 يناير 1835 أهداف ” الأداب الأجنبية المقارنة” . كما اقترح شال شال عدم فصل تاريخ الأدب وتاريخ الفلسفة وكذلك تاريخ السياسة وأراد أيضاً أن يسجل تاريخ الفكر ويوضح تأثير وتأثر الأمم المختلفة بعضها وبعض. ولقد تأسست تحت رعايته لا ريفيو دي نورد (La Revue du Nord).

ولكن على الرغم من ذلك لم تعترف الجامعة الفرنسية بالعلم الوليد فلقد كان يتم تدريس الأدب المقارن في محاضرات بعنوان الآداب الأجنبية المقارنة ويعتبر المؤتمر الدولي للأداب في باريس 16 يونيو 18788 الاجتماع الأول الذي ترأس جلسته الكاتب الشهير فيكتور هوجو (Victor Hugo) وتورجينييف الكاتب الروسي . ولقد دعم جهود المتخصصين في تاريخ الأدب الفرنسي جهود رواد الأدب المقارن وأخيراً فلقد ظهر كجزء من تاريخ الأدب في المدرسة العليا حيث قام برينتيار (Bruntiere) بتدريس الأدب المقارن من (1890-1891).

ويعرف ميدان الأدب المقارن توجهين أساسيين؛ الأول تمثله تاريخياً المدرسة الفرنسية، أما الثاني فهو اتجاه المدرسة الأمريكية، وكان بعد مؤتمر”شابل هيل” الذي عقد سنة 1958،حيث قدم فيه روني ويلك نقداً حاداً للمدرسة الفرنسية، رافضاً إغراقها في تتبع حقائق التأثير والتأثر دون الاهتمام بالنص في حد ذاته.

قد يعجبك ايضا
تعليقات