بقلم/مودَّة ناصر
بعقلي قطعةُ سُكَّر، أحفظها بمكانٍ قصيِّ للأيامِ المُرَّة، تعلمتُ هذه العادةُ مذ كنتُ فتًا صغيرًا؛ بجيبي كنتُ أدسُّ السكر وأطلبُ القهوةَ سادةً كالرجال، أفتعلُ هذا لأثبت لهم أني صرتُ كبيرًا، وخليقٌ لأجلس بينهم. ولم أحبُّ كالسُكرِ في حياتي، وأحملهُ خفيةً كالجريمة، وكأنه تجسيد الحبِّ في بلادنا، أيضًا جريمة.
وأسألُ رغبتي الصبيَّة، لماذا كانت تحبُّ الجلوس مع الكبار؟، لماذا لم يهويها لعب الصغار؟.
يقولُ أبي أني كنتُ طفلاً غريبًا، هادئًا، ويهوى الجلوس بالأركانِ، وهذه عادتي إلى الآن، وأتمنى لو صرتُ ركنًا، يتسلقني سِربٌ من النملِ حاملاً سُكرَه وسكّرهُ الجميل، ربما سألته لنصير أصحابًا ونتقاسم حبُّنا سويًا، سأدعهم يبلعبون علي ظهري؛ فأبًا أصيرُ وهم صغار.
ومَزيّةُ أن تكون ركنًا ستمارسُ فعلَ الأمومةِ، سأحتضنُ أوهن البيوت، وأصيرُ أمَّ العنكبوت، لن أبوح بكونه لربِّ البيت، وسأستمتعُ بمشاهدة الخيوط تغزلُ نفسها والعنكبوت يحفُّها..
والأركانُ تشاطرُ الأزمان، تقتسمُ معها فعلها، عينها التي تراقبُ الإنسان، وتعلمُ أمر بكائه والحنان، الركنُ الذي ضمَّ الصغير وسنَد الكبير، الذي يحنُّ إلى أهله دائمًا ولا يحنون إليه، لا يدركون وجوده.
للركنِ عينٌ شاهدة، ودمعةٌ شاردة، وحكاياتٌ بحضنه خالدة.
ليتني كنتُ ركنًا يا أبي، يمشي بلا قدمينِ، وبلا أفئدة.
بهذا الركنُ كنتُ أنا، لا طفلاً كنتُ ولا كبير.
رأيتُ نملةً باسمة، وأهديتها حلواي كلها،
بالأركانِ كان يشاهدنا الزمان،
يسيرُ ولا أسير،
لا طفلاً عدّتُ ولا كبير،
ولا أعلمُ بأي جهةٍ أصير،
يا زمانُ، ما عقوبةُ النسيان؟
أتهديني عفوًا وغفران؟