القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

خطورة النميمة

109

كتب/ حمادة توفيق.
ورد في حق النمام قول النبي عليه السلام: (لا يدخل الجنة قتات).
فما نص الحديث يا تُرى ومن راويه وما صحة إسناده وما هي الفوائد المستخلصة منه؟
عن همام بن الحارث قال: كنا جلوسًا مع حذيفة في المسجد، فجاء رجلٌ حتى جلس إلينا، فقيل لحذيفة: إن هذا يَرفعُ إلى السلطانِ أشياءً، فقال حذيفة – إرادة أن يسمعه -: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يدخلُ الجنةَ قتاتٌ)، وفي رواية: (لا يدخلُ الجنةَ نمَّامٌ).
رواي الحديث هو حذيفة بن اليمان بن جابر العبسي، أسلم هذا الصحابيُّ هو وأبوه وأرادا شهودَ بدر، فصدهما المشركون، كما روى ذلك مسلم، وشهدا غزوةَ أحد، فقتَل المسلمون أباه؛ لأنهم لم يعرفوه، وذكر ابن إسحاق أن حذيفة تصدق بديَّة أبيهِ على المسلمينَ.
الحقيقة روى حذيفة كثيرًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: “لقد حدثني رسول الله ما كان وما يكون إلى قيام الساعة”، وكان يُسمَّى صاحبَ السرِّ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أسَرَّ إليه بأسماء المنافقين، الذين أرادوا المكرَ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم في مرجعه من تبوك.
شهد حذيفة غزوة الخندق وما بعدها، وفتوح العراق، واستعمله عمرُ على المدائن، فلم يزل بها حتى مات سنة ست وثلاثين بعد مقتل عثمان بأربعين ليلة.
انظر: (الاستيعاب، والإصابة “39/2”).
و الحقيقة هذا الحديث صحيح، فلقد أخرجه مسلم حديث (105)، وأخرجه البخاري في (كتاب الأدب) “باب ما يكره من النميمة” حديث (5709)، وأخرجه أبو داود في (كتاب الأدب) “باب في القتَّات” حديث (4871)، وأخرجه الترمذي في (كتاب البر والصلة) “باب ما جاء في النمام” حديث (2026).
شرح الحديث: (يَرفعُ إلى السلطان أشياءً): السلطان، جاء في رواية مسلم الأخرى المقصود به الأمير، وفي رواية البخاري (َيرفعُ الحديث إلى عثمان)؛ أي: عثمان بن عفان رضي الله عنه أمير المؤمنين.
(قتاتٌ): القتات يقال: قتَّ الحديث يَقُتُّه، إذا زوَّره وهيأه وسواه، والقَتَّات بفتح القاف وتشديد التاء هو النمَّام، والنمام هو من ينقل كلام الناس بعضهم إلى بعض بقصد الإفساد، وبعضهم لا يخصصه بالكلام، بل لو نقل إشارةً أو فعلاً على وجه الإنسان دخلَ في هذا المعنى.
وقيل النمام: الذي يكون مع القوم يتحدثون فينم عليهم، والقتات: الذي يتسمع على القوم وهم لا يعلمون، ثم ينم، والقساس: الذي يسأل عن الأخبار ثم ينمها؛ (انظر: النهاية لابن الأثير تحت مادة (قتت)، وانظر الفتح المجلد 10 حديث “656”).
فوائده: الفائدة الأولى: الحديث دليل على أن النميمة كبيرة من كبائر الذنوب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين مر بقبرين يُعذبان، كما في الصحيحين من حديث ابن عباس: (أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة)، ومنه قوله تعالى: ﴿هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ (القلم: 11).
قال ابن كثير في تفسيره: “مشاء بنميم” هو الذي يمشي بين الناس، ويحرش بينهم وينقل الحديث لفساد ذات البين؛ اهـ (5/ 191).
ومما يدل على أنها كبيرة من الكبائر أيضًا قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عنها: (لا يدخل الجنة)، واختلف فيه على أقوال، أشهرها قولان:
– قيل: المقصود به المستحل للنميمة بغير تأويل مع علمه بتحريم ذلك، فهذا لا يدخل الجنة، فإنه أحلَّ ما حرم الله؛ فالجنة عليه حرام؛ لأنه استحل ما حرم الله اعتقادًا.
– وقيل: ليس المقصود هنا نفي الدخول قطعًا، وإنما لن يدخل الجنة دخول الفائزين، فلن يدخل الجنة من أول الأمر، بل لابد أن يُعذب ثم يدخلها بعد ذلك.
الفائدة الثانية: للتعامل مع النمام آداب نقلها النووي عن أبي حامد الغزالي، حيث قال: وكل من حملت إليه نميمة وقيل له: فلان يقول فيك، أو يفعل فيك كذا، فعليه ستة أمور:
الأول: ألا يصدقه؛ لأن النمام فاسق.
الثاني: أن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبِّح له فعله.
الثالث: أن يبغضه في الله تعالى؛ فإنه بغيض عند الله تعالى، ويجب بغض من أبغضه الله تعالى.
الرابع: ألا يظن بأخيه الغائب السوء.
الخامس: ألا يحمله ما حُكي له على التجسس والبحث عن ذلك.
السادس: ألا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه، فلا يحكي نميمته عنه، فيقول: فلان حكى كذا، فيصير به نمامًا، ويكون آتيًا ما نهى عنه.
قال النووي بعد نقله ما سبق: “وكل هذا المذكور في النميمة إذا لم يكن فيها مصلحة شرعية، فإذا دعت حاجة إليها فلا منع منها، وذلك كما إذا أخبره بأن إنسانًا يريد الفتك به أو بأهله أو بماله”.
(انظر: شرح مسلم للنووي حديث “105”،وانظر الكبائر للذهبي “161”، وانظر زجر الزواجر لابن حجر “396”).
وبمثل هذا قال الشاعر:
لا تقبلنَّ نميمةً بُلِّغتَها
وتحفَّظنَّ من الذي أنباكها
إن الذي أهدى إليك نميمةً
سينمُّ عنك بمثلِها قد حاكها
الفائدة الثالثة: السبب في انتشار النميمة بين الناس عدة أمور، منها:
أ. إرادة السوء بالمحكي عنه.
ب. الحب للمحكي له (وهذا في ظاهر الأمر، وإلا فإن من يحب إنسانًا على الحقيقة فإنه لا ينقل له أمرًا سيئًا).
ج. الفرح بالخوض في فضول الكلام، وقطع الأعمار والأوقات بما تستهويه النفس؛ (انظر: الزواجر لابن حجر “396”).

قد يعجبك ايضا
تعليقات