القاهرية
العالم بين يديك

الحرب النفسية قاطرة النصر.

124

بقلم /دكتورة سلوى سليمان
ما حدث من انتصار في حرب أكتوبر هو في حد ذاته إصرار، ومثابرة وتخطيط محكم لتحقيق الذات وتحقيق الهدف ومحاولة لمحو آثار هزيمة حرب ٦٧ وهذا ما طرحه الفيلسوف والمؤرخ البريطاني أرنولد توينبي “أنه لا انتصار محقق ولا تقدم إلى الأمام إلا بدافع حيوي وطاقة كامنة تدفع الفرد والمجتمع إلى السير قدما في تحقيق الذات…
فبالفعل كانت هذه الهزيمة بمثابة الروح التي تحرك الجسد نحو النصر أو نحو الشهادة، ومن هنا استغل القادة هذه الثغرة بخلق الدافع والذي لم تكن الحرب ممكنة بدونة، حيث تم تحويل الطاقة الكامنة إلى طاقة عاملة ففي الواقع تم غرس الثقة في نفوس الجنود وبينهم وبين القادة من أجل التغلب على الطاقة السلبية التي تبث فيهم أي شعور بإمكانية الهزيمة والتغلب على كل الصعاب فقط من أجل تحقيق النصر وتحطيم أسطورة العدو الذي يدعي كذبا أنه لا يقهر
وقد لعبت المخابرات المصرية دورا كبيرا لرفع الروح المعنوية للشعب بعد حرب النكسة 1967، حيث استعانت المخابرات بالصحف ورجال الدين لوأد الفتن التي كانت يبثها الموساد الإسرائيلي بين المصريين فترة ما بعد النكسة، في الوقت الذي كان الجيش يعد العدة لحرب السادس من أكتوبر العظيمة، ومن هنا كان الدور الحاسم الذي لعبته الشؤون المعنوية والذي لا يقل أهمية عن دور القوات المسلحة على الجبهة؛وهذا يعني ان الحرب النفسية التي تقوم بها الوحدات المتخصصة ضد الخصوم في العمليات ذات الطبيعة العسكرية كانت الأكثر أهمية من الحرب العسكرية نفسها ..
وعلى الجانب الآخر وجهت الحرب النفسية صوب العدو من خلال استخدام مخطط للتأثير على آراء ومشاعر وسلوكيات هذا العدو بطريقة منظمة تنتشر فى وقت السلم والحرب،والتي وصفها السياسى الألمانى إرفين رومل، “بأنها تستولى على عقول الأعداء قبل أجسادهم” ، ووصفها الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال خطاباته بـ«فوبيا إسقاط الدولة»، حيث تم استخدامها فى كثير من الحروب عبر الزمن، وبدأ بها الفراعنة فى حروبهم، كما استخدمها هتلر فى معاقبته للضباط، ونابليون قبل دخوله لمصر، وفى حرب العراق، و الاستنزاف ونصر أكتوبر 73.
فهنا استخدمنا الحرب النفسية التكتيكية فى القتال للتأثير على جنود العدو،وأيضا استخدمت إدارة التوجيه المعنوي المصرية الحرب النفسية للتدعيم، فالحرب النفسية ليست فقط موجهة إلى الخصوم، بل منها أيضا دعم المجموعات القتالية فى الجيش المحارب أو القوات الصديقة، وأيضا من أجل دعم الجبهة الداخلية والتماسك القومي على أرض مصر.

كما استخدمت مصر الحرب النفسية ضد إسرائيل وكان لها الفضل فى نصر أكتوبر 73، وخرجت القوات المسلحة بعدة بيانات هزت نفوس قوات الاحتلال، فبين الفترات كانت تعلن القوات المسلحة ببدء مناورة عسكرية، ما يجبر جيش الاحتلال على رفع حالة الاستعداد القصوى ما يكبدهم ملايين الجنيهات، حتى أعلنت القوات المسلحة بدء مناورة أخرى وكانت الأخيرة لبدء الحرب، فى المقابل تجاهل جيش الاحتلال ذلك الأمر خوفًا من الخسائر المالية، وفوجئوا بعد ذلك ببدء الحرب.

كما أعلنت القوات المسلحة فتح باب العمرة لقياداتها ما يوحى لجيش العدو بحالة التراخى العسكرى لمصر، وغيرها من منشورات الجرائد بحالة الفساد المتفشى فى المؤسسات، وانتشار الأمراض والأوبئة ما دفعهم لإخلاء مستشفى الدمرداش، ولكن كانت حقيقة الأمر استعداداً للحرب ولتلقى المصابين من الجنود.

ولذا فإن حرب أكتوبر لم تكسر موازين القتال فقط على الجبهة، بل كسرت جمود الفكر، وهيمنت السيطرة على عقل العدو الباطن و شلت تفكيره وجعلته يصبو بدون إرادة إلى تحقيق هدف المصريين الأوحد ألا وهو النصر….

قد يعجبك ايضا
تعليقات