القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

الصحابي الجليل و القائد العسكري أبو عبيدة بن الجراح

139

تحقيق الأستاذ الكاتب/ محمد سعيدان
متابعة عبدالله القطاري

اسم ابو عبيدة و نسبه :

أبو عبيدة هو عامر بن عبد الله بن الجرَّاح بن هلال بن أهيب بن ضبَّة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النَّضر، أمُّه أميمة بنت غنم بن عبد العُزَّى، ويلتقي مع أمِّه في النَّسَب عند الحارث بن فهر، وكنيته أبو وقد اشتهر فيها أكثر من اسمه، ونُسِبَ إلى جدِّه لا إلى أبيه، فكان النَّاس ينادونه أبو عبيدة بن الجرَّاح، وأثنى عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومَدَحه فلقَّبه أمين الأمَّة، وعُرِف في الجاهليَّة بالحِكمة والفِطنة والرأي السَّديد والذَّكاء، واشترك مع أبي بكر -رضي الله عنه- بذلك، فكان النَّاس يقولون: “داهِيَتا قريش أبو بكر وأبو عبيدة بن الجرَّاح”، ويُقصد بذلك الذّكاء والفطنة والرأي السديد، وكما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الناسُ مَعادِنُ خِيارُهم في الجاهِلِيَّةِ خِيارُهم في الإسلامِ إذا فقهوا )

إسلام أبي عبيدة بن الجرّاح :

لمَّا بعث الله -تعالى- سيِّدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- برسالة الإسلام آمن معه سيِّدنا أبو بكر الصِّديق -رضي الله عنه-، ثمَّ انطلق مع رسول الله يتخيَّر النَّاس ويدعوهم سرَّاً، فاستبشر بأبي عبيدة، فحدَّثه عن الإسلام، فلقي منه قبولاً واستجابةً، فتوجَّه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أبي سلمة بن عبد الأسد، وعبيدة بن الحارث، وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن مظعون -رضوان الله عليهم-،فكرَّر عليه شرح الإسلام، فأسلم مع نفرٍ آخرين جميعاً في ذات الَّلحظة، وكان ذلك في بدايات الدَّعوة قبل أن يدخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دار الأرقم بن الارقم.
وقد كان عُمْر أبي عبيدة آنذاك خمسةً وعشرون عاماً، ممَّا يدلُّ على أنَّه دخل الإسلام باختياره، فهذا السِّنُّ الذي يكون الإنسان فيه قد اكتملت قدراته العقليّة والجسديّة، فلا يزيحه عن رأيه ومبدئه أيُّ إغراءٍ، فقد وجد أبو عبيدة في الإسلام الحقَّ الذي يبحث عنه، والعدالة بأبهى صورها، ممَّا ساعده على البقاء والثَّبات على دينه، فقدم التَّضحيات متَّبعاً قول الله -تعالى-: (قُل إِنَّني هَداني رَبّي إِلى صِراطٍ مُستَقيمٍ دينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبراهيمَ حَنيفًا وَما كانَ مِنَ المُشرِكينَ)، ولم يُعرف ترتيب أبي عبيدة بين الذين أسلموا في بداية الدَّعوة، لكن ذكر ابن هشام في سيرته أنَّه أسلم بعد أوَّل ثمانيةٍ ممَّن دخلوا في الإسلام، حيث دخل الإسلام مع مجموعة رجالٍ، على يد أبي بكر الصِّدِّيق -رضي الله عنه.

جهاد أبي عبيدة وأعماله أيام الخلافة :

شارك أبو عبيدة -رضي الله عنه- في غزوتيّ بدرٍ وأُحُدٍ والحديبية، وقد تعرَّض له والده كثيراً في غزوة بدر ليبارزه ويقتله، وفي كلِّ مرَّةٍ كان -رضي الله عنه- يحيد عنه، حتى أكثر والده من ذلك فقام بقتله، فأنزل الله -تعالى-: (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)، وأرسله رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على سريَّة جيشِ ذات الخبط، كما أرسله والياً إلى أهل نجران، وكان أحد الأمراء في بلاد الشَّام بعد أن عزل عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- خالد بن الوليد -رضي الله عنه-، فوضع أبا عبيدة -رضي الله عنه- مكانه، وكان نَقش خاتم أبي عبيدة: “الخُمُس لله”. وقال ابن حجر -رحمه الله-: “كان فتح أكثر بلاد الشَّام على يده”، كما جعله أبو بكر -رضي الله عنه- في خلافته على بيت مال المسلمين، وجعله عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- أمير الأمراء في الشَّام، وكان أمير الجيش يوم فتح دمشق، وبعثه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خلف عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل ليمدَّه بالجيش، ولمَّا جاء أهل اليمن يطلبون من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يرسل معهم مَن يعلمهم القرآن والسُّنَّة أخذ بيد أبي عبيدة أمين الأمّة واختاره لهم.

وفاة أبي عبيدة :

ظهر مرض الطَّاعون في بلاد الشَّام في السَّنة الثَّامنة عشر من الهجرة، والذي سُمِّي بعام الرَّمادة؛ فقد أصاب النَّاس قحطاً شديداً، فقام عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- يدعو الله -تعالى- بالاستقساء حتى أنزل الله -تعالى- المطر، ثمَّ من كثرة الجثث التي ماتت بسبب الجوع ظهر مرض الطَّاعون، وكان أبو عبيدة آنذاك في الشّام، وبدأ المرض في بلدةٍ تقع ما بين الرَّملة والقدس اسمُها عمواس، فمات آلاف النَّاس، وكان أبو عبيدة -رضي الله عنه- أمير النَّاس ولا يمكنه أن يخرج من مكانه، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا سَمِعْتُمْ بالطَّاعُونِ بأَرْضٍ فلا تَدْخُلُوها، وإذا وقَعَ بأَرْضٍ وأَنْتُمْ بها فلا تَخْرُجُوا مِنْها)، وفي المقابل من ذلك فقد كان -رضي الله عنه- زاهداً في الدُّنيا معرضاً عنها، لكنَّ عمر بن الخطَّاب كان حريصاً على أبي عبيدة راغباً أن يتسلَّم الولاية من بعده، فأرسل إليه يريد قدومه، لكنَّ أبو عبيدة رفض أن يترك قومه على هذا الحال كما ذُكِر سابقاً في فضائله وورعه. فلمَّا رأى عمر -رضي الله عنه- ذلك علم أنَّ أجله قد اقترب، ونصحه بأن يخرج بقومه من البلد الرَّطبة أرضها إلى الجافة، فاستدعى أبا موسى الأشعري -رضي الله عنه- وأمره أن يبحث عن أرضٍ جافَّة لينتقل النَّاس إليها، لكنَّ المرض بعد ذلك وصل إليه فأصابه، ولمَّا أحسَّ باقتراب أجله كتب وصيَّةً لعمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- أنَّه ردَّ كلّ أمانةٍ إلى صاحبها، وأدَّاها إلَّا امرأةً كانت قد نكحت قبل انقضاء عدَّتها، وأنَّ الزَّوج كان قد أرسل له مئة دينار، فأمر القوم أن يردُّوها له، ثمَّ أوصى بدفنه غرب نهر الأردن ناحية الأرض المقدَّسة، ثمَّ خاف أن يعتاد النَّاس ذلك ويصبح من عادتهم، فقال أن يدفنوه حيث يموت، كما أوصى بإقامة أركان الإسلام، والزُّهد في الدُّنيا، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذكّرهم بالموت، ثمَّ توجَّه إلى بيت المقدس ليصلِّي فيه فأدركه الموت في الطَّريق وتوفّي -رضي الله عنه- قبل أن يصل بيت المقدس. ووقف معاذ بن جبل بعد وفاة أبي عبيدة -رضي الله عنه- يخطب بالنَّاس ويذكِّرهم أن الموت حقٌّ، ويأمرهم بأداء الأمانة، وأن لا يهجر المسلم أخاه المسلم، والتعجيل في التَّوبة إلى الله -تعالى-، ثمَّ قال: “إنّكم أيها المسلمون فجعتم برجل ما أزعم أنني رأيت عبداً أبرّ صدراً، ولا أبعد من الغائلة، ولا أشدّ حباً للعامة، ولا أنصح للأمة منه، فترحموا عليه، رحمة الله، واحضروا الصلاة”، ثمَّ أرسل معاذ -رضي الله عنه- كتاباً إلى عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- يخبره فيه بموت أبو عبيدة، فحزن عمر -رضي الله عنه- حزناً شديداً، وعيَّن عيَّاض -رضي الله عنه- بالشَّام، وقال: “لا أغيِّر أميراً أمَّرَهُ أبو عبيدة”، وقد بلغ أبو عبيدة من العمر حين وفاته ثمانية و خمسون عاما.

قد يعجبك ايضا
تعليقات