بقلم/ مودَّة ناصر
إهداء،..
إلى روح صاحبه
تقول عزيزتي رضوى عاشور: “فلما غضَّ الطرف علم أن روحه هي التي تعلقت.”، والحقيقةُ أحيانًا، حينما تتعلق أرواحنا نغضُّ الطرف..
—-
أودُّ الكتابة، روحي تأكلني، وثمّة رغبةٌ تدفعني بشدِّة، ولكن كأن تودَّ الإبحار ولا بحر تسيرُ فيه، أو يغلبك النعاس ولا سرير تتكئ عليه. وأشعر -أحيانًا- أن الكتابة “قلَّةُ حيلة”؛ نكتبُ لأن لا شيء نملكه سوى الكلمات، ندوِّنُ أحلامًا لا نستطيع أن نعرِّفها بالواقع، نسكبُ على الورقِ شوقًا ووجدًا لا يروي قلوب الأحبة، نقصٌّ القصص ونلبسُ رداء الصدقِ وننتظر.. ولكن، لا ساعٍ إلينا يأتي رسولاً إلى عزيزٍ مراد.
وماذا عسانا نفعلُ سوى أن نكتب ونكتب..؟
الكتابةٌ صراخٌ مكتوب، قلمها قلبٌ مكلوم، وهي أيضًا الجملة التي تدورُ في رأسي مُلَحَنةً: “أنتِ الأمل، والمحتمل، المستحيلة، الممكنة، أنتِ أنا”
أجولُ داخلي وأجول، وكم أكره السير أحيانًا، ولكن أسيرُ آملة اللقىٰ بشيءٍ فاتنٍ، بفكرةٍ فريدةٍ أو تعبيرٍ وليد، أسيرُ ولا شيء سوى الأشياء التي عهدتها، التي ألِفت أماكنها واستقرت، والأحزان التي باتت صديقةً، وكأنها أختٌ تجلس على أريكةِ ليلي، تنظرُ إليَّ بريبةٍ وتحدٍ على أن أستلقي على غيرها.
أنكتبُ لأننا طامحون؟، أو لأننا لسنا بخالدين؟، نكتبُ آملين أن تكون حروفنا آسِرة، أن تُذوِّب فؤاد أحدهم؛ فتكون حديثه الذي لا يصلُ إليه، وخوفه الذي يلتقيه بعد هروب، أن تكون أملاً يؤنسُ الألمَ. دافئةً كحديثِ الأمهات، حانيةً كدعاء الجدَّات، وحكيمةً كنصائح الآباء. لتكون موطنًا كبيتِ شعرٍ ألَّفهُ مُحِب، وسكونًا لقلبٍ يهابُ الغيب.
وينتابني سؤال أحيانًا: لماذا نكتب؟
هل الكتابةُ تشبهُ النبوَّة؛ فيختصُ اللهُ بها من عبادِه من يشاء؟، هل أنها هبةٌ من الخلّاقِ يهبها الإلٰهُ للوحيدين؛ فيلتهوا بمعجزةِ الخلق، يخلقون من الكلماتِ نصَّا يسيرُ حذاءهم بالطريق؟ وإن كان.. لماذا نصِّي طويلٌ لهذا الحدّ؟، طويلٌ حتى أنني لا أراه، يسيرُ حذائي ولا أملك الإمساك به، شاهقٌ وكأنه يخترقُ السماء التي بلا عمد. مفقودٌ، متفرقٌ ومتلقبٌ كالغيمِ فيها..
لو أنهُ إنسانٌ يسمعني، لشددتُ على يديهِ بقوةٍ راجٍ وأخبرته: ألا يكون خذلانًا، وألا يصير فراقًا، أن يكون إخلاصًا، وأن يذهبَ ليقاسي آلامَ الوحدةِ وتباريح الحبِّ، ويتجرع مرارة الفقدِ، ثم يأتي على بيِّنةٍ بكل هؤلاء، ثم ينساهم في مقبرةِ الغياب البعيد؛ لأن الخبير بآلام القلوبِ وعذابها يكون أرقَّ من جعل آخرين يكابدونها، حتى وإن كان حينها فاعلاً لا مفعولاً به، ويقول درويش:
“لا أحد يحنُّ إلى جرحه
لا أحد يحنُّ إلى وجعٍ أو كابوس”
ولكن أين أنت أيها النص؟، “نٓ، وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ”
نٌ/ نصٌ نكتبهُ ويكتبنا، نٌ/ نسيانٌ نرجوه ولا يأتينا، نٌ/ ناسٌ كثيرون غائبون ونشتاقهم، وآخرون مخذولون نبكي معهم على جرحنا وجرحهم.
إن كانت الكتابةُ فكرة؛ فالفكرةُ إلهامٌ، والإلهامُ وحيٌ، والوحيُ نورٌ، والنورُ نورُ اللهِ يملاء السماواتِ والأرض. والآن يا الله،.. أناديك بعلمك وبالأسماء التي علمتها آدم كلها، والاسماء التي سمَّانا بها أبونا إبراهيم والمسلمين من قبل. أناديك بأسمائك الحسنى التي علِمناها وما لم نعلم، وما استأثرت به في علم الغيب عندك..
أن تجعل في قلبي نور، وفي قلمي نور، وفي طريقي نور، يُذِهبُ وحشتني، ويؤنِسُ وحدتي، ويجعلُ لي في مراقد اللطفِ والأنسِ مكانًا.
أن تُلهمني لأتأمل كلَ شيءٍ وأبصِره، فأكتبُ حتى أفنى وتبقى الحروف..
نٌ/ نص
نٌ/ نسيان
نٌ/ ناس
و
نٌ/ نور.