بقلم – دكتور محمد فؤاد منصور
من أدب المهجر رواية “لماذا خنت بلدي ؟”
للروائي السكندري المهاجر الدكتور عاطف يوسف
في إصداره الجديد يقدم لنا عاطف يوسف لوناً مختلفاً عن كل رواياته السابقة .
عاطف يوسف كاتب مهاجر قضى معظم سني حياته بين فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، وهو كاتب غزير الإنتاج يستقي أفكاره عادة من تجاربه الكثيرة والثرية إلى جانب مشاهداته المتنوعة والتي ساعدته ظروف الاغتراب على أن تتجاوز البيئة المحلية إلى بيئة عالمية، وهي ضرورة فرضتها عليه ظروف اغترابه بعيداً عن مصر لنحو نصف قرن، كانت علاقته بالوطن الأم دائماً قائمة وبارزة في رواياته إما من خلال السيرة الذاتية وأحداث الطفولة وصدر الشباب كما تجلى ذلك في روايات مثل ” الجدع” و” العربجي” ،”والعرضحالجي”
أو من خلال مسيرة آخرين كما في متوالياته الروائية “السيمفونية الخالدة” والتي جسد فيها شخصيات بارزة في حياتنا الفكرية والثقافية وأعاد إحيائها كشخوص حية في رواياته .
هذه المرة الأمر كان مختلفاً تماماً فرواية ” لماذا خنت بلدي؟ ” رواية مغامرات أقرب لروح الروايات البوليسية التي تجري فيها الأحداث بسرعة مذهلة لا تعطي القارئ وقتاً كافياً ليتأمل الحدث أو حتى ليتابع حركته ..
الرواية ليست رواية أدبية فيما أظن من منظور السرد الأدبي وإنما هي أقرب إلى سيناريو لفيلم مغامرات عالمي .
لكن لماذا لا نقرأ الرواية من أول عتباتها ؟
العنوان بوصفه العتبة الأولى من عتبات النص خادع للقارئ العربي بشكل عام .. ليس فقط لأنه عنوان صادم ولكن لأنه أيضاً عنوان مستفز .. فالخائن إن كان عربياً لا يظهر نفسه بهذه الفجاجة ليطرح مثل هذا العنوان، القارئ العربي تستفزه كلمة الخيانة وهو لن يقبلها حتى لو اقتصرت على عنوان لرواية، سيكتشف القارئ خلال متابعة أحداث الرواية أن النص الروائي لا يتناول شخصيات مصرية أو عربية وإنما كل أبطاله تقريباً من رجال ونساء المخابرات الأمريكية ( السي آي أيه) أو مخابرات دول أخرى يجري الصراع بينها على امتداد جغرافية العالم وربما دفعتني شخصياً هذه الملاحظة للتساؤل عن إصرار الكاتب على صب روايته في قالب عربي وبلغة عربية، بينما الأحداث كلها لا تمت إلى عالمنا العربي ولا إلى ثقافتنا العربية خاصة وأن النص لا ينتمي إلى الأدب العربي لغة وروحاً وشخوصاً وإن كانت أحداث الشرق ومايجري فيه من صراعات تمثل أرضية هامة لأحداث الرواية، ومع ذلك فقد كان أفضل له وللرواية لو قدمها بلغة إنجليزية أو فرنسية حتى تجذب جمهورها الحقيقي الذي تناولته أحداثها .
ما نحن بصدده ليس نصاً أدبياً تتوفر له جماليات اللغة العربية ولا روح النصوص العربية وإنما هو سيناريو إن شئت لفيلم ” أكشن” تدور أحداثه على امتداد العالم كله من شرقه لغربه من واشنطن ونيويورك إلى موسكو وبيروت وباكستان وأفغانستان وأيضاً طهران وتل أبيب!! ويصور صراع العقول والإرادة بين رجال المخابرات في هذه البلدان جميعها هو نص يهتم بالحدث وبالحركة في المقام الأول، ولا بولي نفس الاهتمام للتصوير الأدبي أو الإطناب السردي.
الأحداث في الرواية كما أسلفت كثيفة ومتلاحقة بحيث تربك القارئ خاصة مع إهمال الكاتب في تقسيم العمل إلى فصول أقل حجماً كي يستوعبها القارئ بالتدريج .. فالكاتب ينتقل بك نقلات مفاجئة وسريعة دون سابق تمهيد، تكون في واشنطن فيقفز بك الكاتب فجأة إلى باكستان أو موسكو أو بيروت دون أن يدع لك كقارئ فرصة لاستيعاب مايجري من أحداث .
الشخصيات في الرواية كثيرة جداً بشكل يثقل النص بحيث لا يدع للقارئ فرصة كافية ليتابع أبطالها ففي بداية الرواية نتصور كقراء عرب أن بطل الرواية الرئيسي هو ضابط السي آي أيه والعمليات الخاصة الأمريكي “سال” الذي استعرض لنا مهاراته وبطولاته واعتقاله في سجون العراق ثم اعتناقه للإسلام وحرصه على آداء شعائر المسلمين ثم فجأة نراه يُقتل ويختفي من باقي الأحداث، أما الأمريكية” دينا” صديقة طفولته والوحيدة التي استمرت معنا طوال فصول الرواية فيقدمها الكاتب كلاعبة على كل الحبال مع استخدامها لمفاتنها عند الحاجة لتحقيق أغراضها .
من حيث موضوع الرواية فلا شك أن الكاتب قد حشد في هذه الرواية كل ما يجري على الساحة العالمية من أحداث معاصرة فمن حديث عن حركة طالبان في أفغانستان إلى حديث عن حزب الله في لبنان، ونشاط أجهزة الموساد وصلتها بالسي آي أيه إلى نشاط الكي چي پي في موسكو وصراع هذه الأجهزة وتحالفاتها أحياناً .. لكن ما لفت انتباهي بشكل خاص هو متابعة الكاتب للأحداث الجارية على الساحة العالمية بدقة فضلاً عن توقعه للمفاوضات الناجحة بين الولايات المتحدة وحركة طالبان ومزجها في أحداث الرواية، مما يوحي بأن الكاتب مع كل هذه المعارف والمعلومات قد يكون بالفعل أحد عملاء السي آي أيه، فإن لم يكن كذلك فهو محلل استراتيچي لا يشق له غبار . يكفي أن نقرأ فقرة كتلك التي وردت في صفحة 230 لندرك أن الكاتب مطلع على مايجري على الساحة الأفغانية التي تشهد هذه الأيام تطورات دراماتيكية
(أراد رئيس مجموعة السي آي أيه بأفغانستان أن ينهي وجود دينا لديه وطلبت منه أن يمد في مدة وجودها لأنها تعلم تماماً أن الروسي بيترو يعمل الآن مع نائب الرئيس الأفغاني على إفشال مباحثات أمريكا مع طالبان)….
بقي لي في هذه القراءة المتعجلة أن أعلق على لغة الكتابة والأسلوب السردي للكاتب .. الواقع أن الكاتب لم يهتم مطلقاً بالأسلوب السردي أو المفردات الأدبية بل لعله لم يعامل هذا النص الروائي على أنه عمل أدبي سيقدم لقارئ عربي يتذوق جمال النص من خلال الاحتفاء بمفردات المعجم أو سلامته من الناحية النحوية، فالكاتب يحكي كما يتكلم دون بذل أي مجهود من ناحيته فتركيزه الأساسي كان منصباً على الأحداث السريعة المتلاحقة لا على جماليات اللغة ..
اللغة التي تعج بالأخطاء النحوية والإملائية التي تحتاج الكثير من التدقيق والتي قد نجد فيها عذراً للكاتب لسببين، أولهما طول مدة اغترابه والسبب الثاني أن النص في مجمله يمكن اعتباره سيناريو فيلم ضخم أكثر منه نصاً أدبياً .
مايؤكد هذا هو استخدام الكاتب لمفردات عفوية تماماً وبلغتها الدارجة دون أي اهتمام منه بتحويلها إلى الفصحى أو إلى سرد أدبي .. ستقابلك طوال الرواية البالغ عدد صفحاتها نحو مائتين وخمسين صفحة تعبيرات لطيفة من تراثنا الدارج تدفع الابتسامة لشفتيك فتخفف من سخونة الأحداث .. تعبيرات مثل:
– لقاء سريع على الواقف
– قابعة تولول وتسح من الدموع كاسات
– كأنها على وش النجاح
– ولو حلف بكل الأيمانات فهو كاذب
– وريحت دماغها
– ثم تسرسب باقي الوفد.
– لا داعي للف والدوران
– المشاكل كلها من تحت راس السيد توم ودينا
– الإضاءة جعلت المنزل ظهراً
– على رأي المثل الخالق الناطق أبيها
– لبست هدومها
– القدرة على لم الموضوع
– واقع لشوشته
– يتوغوش
– خطف السيد توم رجليه
– وريحت دماغها
وهكذا لا تخلو صفحة في الرواية من تعبيرات عامية عفوية تجري على لسان الكاتب فيضعها في النص كماهي دون أي اجتهاد منه لتحويلها إلى جمل فصيحة .
هذا من ناحية اللغة وجمالياتها .
لم يبق لي سوى أن أقول إن الكاتب نجح في كتابة رواية مغامرات من طراز خاص جديرة بأن تجد حظها لا بين النصوص الأدبية وإنما على الشاشة الفضية.