القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

ورد بلا مأوى

116

د.نور الهدى محمد

أسُوّد أنا -مارية- قصاصات ستحرقها نيران قلبي فور إنهائها ..فإما أنها ستذهب بغليل قلبي إبان حرقها،
أو أن حرقها يكون لها حطبا لنيرانٍ أكثر لظًا وتعطشا للمزيد من التسويد والحرق،
أحرك إصبعي بإرتعاد يُحاكي انتفاضات دواخلي ..أمسك القلم ..وأكتب:

“إنها بارعة الجمال، لم يعرفها أحدهم إلا وأثنى
على جسدها الناهد، فكأنما أوتيت من ضروب الحسن ألوانه كلها، غادة الممشى لينته، ما إن تتثنى وتتمايل إلا هاف ورق الشجرعند قدميها ليخبرها بأن حبها قد تنشَّب فيه وأنه ليس له برََءًا، تسكن في المنيا تدرس في الصف الأول الثانوي، اسمها وردة.

أراد غوايتها أستاذها، شديد الوسامة، غزير العلم، فياض الدهاء، أهيف، عريض المنكبين وعينيه خضراوتان، في ثراءه فحش كما في سلوكه الفحش، صوته ذكوري عميق تهواه آذان النساء، واقعة في غرامه جل قريناتها حتى أن فتنته أدلفت إليها على طهر قلبها وعفافه، لكنها لم تزد عن صد وصله ووصل نياته الملتوية، وأسرت في نفسها حبا لم تبده لهم ولا له.

وبينما تجلس في ليلة تناجي سهدها بهدوئها المعتاد،
فإذ بباب غرفتها يدُفع بركلة هزت عروش فؤادها،
أتى عم أحمد وتمثل أمامها بجيفته التي لاقت من الضخامة ما لاقى قوم عاد الأولون، لم تكن غلظة صوته بأكثر غلظة من قلبه، الجميع يعرف الرجل الذي يفشل في فرض سيطرته في عمله ويفشل أن يحتوي أسرته فتحيله قصر ذات يده إلى غول يهوى على قوارير بيته بالبطش علَّه يُشفي ببطشه غليل قلبه، وما إن نظرت إليه إلا وقد هوى بيده على وجهها وأمسك رقبتها يخنقها حتى استحال لونها إلى الزرقة، مهددا إياها في غضب “سأقتلك، إن سمعتك ترفضين أمري تارة أخرى سأقتلك “ومن شدة إحكامه على رقبتها نزفت أذنها اليمنى واحمرت عيناها، وانهال على جسدها الرقيق يهده هًدًا ويلوك ضعفها لوكًا…ثم رمقها بسادية مرضية ونشوة انتصارٍ .. وأستدار ثم مضى ..
وهي جسدها ينتفض، تجود عينها بدمع منهمر وتخُرج أناتا تتردد في جوفها، تسرق منها كل معاني الأمان،
فما العمل؟ أتفر من جحيم بيتها؟ وإلى أين؟! ومن يتلقف ذاك الفؤاد؟ أذئاب تريد انتهاك حرمتي جسدها وقلبها؟..وهي العفيفة!..إلى من تلجأ؟!..لم يزل جسدها يرتعد. ”

توقفتُ عن التسويد وأنزلت القلم من يدي ..وأطرقت أفكر في تلك الفتاة..
صحيح أن لديها منزل تنزل فيه وتعيش ..ولكنها تفتقر للمأوى..والمأوى هو الملجأ الذي نحتمي فيه إذا
ألمَّ علينا بعض الأسى، نهرع إليه من المصيبة فنسكن فيه لا أن يكون هو المصيبة عينها، وهو مظنة الفكاك من الخوف ومظنة ملازمة السكينة والسكن.

إن العنف ضد النساء جريمة يجب أن يعاقب عليها القانون بغلظة،
العنف لا يقتصر على العربيات، فهناك دراسة أوضحت أن ثلث نساء أمريكا يتعرضن للضرب.
إنها قضية عالمية، بإمكاني السرد عنها بإحصائيات وبأدلة في الدين، لكنها أوضح من أن يستدل على قبحها،
ومن لا يرى قبحها فهو منتكس فطرة.

عدت إلى قلمى وأدنفت:
عزمت وردة أن تهرب من بيتها، فانتظرت حتى نام الجميع وتسللت..
ركبت القطار المتجه للإسكندرية، ما إن وصلت إلا هامت على وجهها ثم جلست على رمل شاطيء بحري وكانت الرابعة فجرا..
في رأسها ألف سؤال ويعتليها الرعب،
نامت ولا تدري كيف لم يتعرض لها أحد الذئاب،
ظلت على حالها هذا لثلاثة أيام، ليس معها إلا لقيمات يقمن صلبها، ملابسها يعلوها التراب، بدت كمشردة جميلة!
أتاها ضابط وسألها عن اسمها ومعلومات عنها
فلم تجب، أخذها على القسم وأحالوها لجميعة تأوي المشردات في محطة مصر لحين التوصل لأهلها..
هناك قابلتها وحكت لي قصتها،
وما لبثت إلا قليلا هناك حتى وجدوا أهلها وأرغموها على الرجوع معهم،
ولم أزل لا أعلم عنها شيئا ولا كيف حالها.

وردة تشبهها مئات الفتيات، فلماذا يقسو الأهل والمجتمع على فلذات أكبادهم؟
الأسباب كثيرة لكن المبررات معدومة!

قد يعجبك ايضا
تعليقات