القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

المفهوم الشامل للوطن ” الجزء السابع”

86

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء السابع مع المفهوم الشامل للوطن، فعن صهيب الرومى قال ” لما أردت الهجرة من مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت لي قريش يا صهيب، قدمت إلينا ولا مال لك، وتخرج أنت ومالك، والله لا يكون ذلك أبدا، فقلت لهم أرأيتم إن دفعت إليكم مالي تخلون عني ؟ قالوا نعم، فدفعت إليهم مالي، فخلوا عني، فخرجت حتى قدمت المدينة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال ” ربح صهيب، ربح صهيب” مرتين، فأنزل الله تعالى فيه قوله عز وجل فى سورة البقرة ” ومن الناس من يشؤى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد ” وقد كان لكثير من أصحابه صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم صفحات طويلة من البذل والتضحيات.

فهذا هو الإمام على بن أبى طالب رضي الله عنه، يعرّض نفسه للهلاك ويضحي بحياته بنومه في فراش النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، عشية الهجرة، ويرمي البراء نفسه بين الأعداء في حديقة الموت فيفتح الله للمسلمين بسببه، ويُعرض أبو الدرداء عن التجارة تفرغا لمجالسة النبي صلى الله عليه وسلم، ويتقبل خالد بن الوليد التنازل عن منصبه طاعة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، عندما أمره بتسليم القياده إلى أبو عبيده عامر بن الجراح، ويتنازل أبو عبيدة عن إمرة الجيش لعمرو بن العاص جمعا لكلمة المسلمين، ويرفض الحسن بن علي رضى الله عنهم أجمعين الخلافة درءا للفتنة وجمعا للكلمة، ويقبّل عامر بن عبدالله رأس زعيم الروم المشرك ليعتق له أسرى المسلمين.

ولم يخلُ تاريخ النساء العظيم من روائع بالجود والتضحية، فقد ضحت السيدة أم سلمة بشمل الأسرة، وتحملت فراق الزوج والولد في سبيل الهجرة، وأيضا السيدة أسـماء بنت أبى بكر الصديق وعناؤها أثناء الهجرة، ولا تضحيتها بابنها عبدالله بن الزبير في سبيل نصرة الحق، فإذا كانت التضحية في كل ما سبق في الجانب الإيجابي، فكذلك تكون التضحية في الجانب السلبي لأن صاحبه يعتقد فكرة أو حرفة أو جريمة يضحي بكل شيء من أجلها مع أنها باطلة ومحرمة؛ فأنت ترى أن السارق يضحي من أجل سرقته ولو أدى ذلك إلى حبسه وسجنه وترى الزاني يضحي من أجل شهوته وترى شارب الخمر يضحي بالغالي والرخيص من أجل سكره.

وترى صاحب الأفكار المتطرفة الهدامة العفنة يضحي بنفسه وماله من أجل ترويج باطله، حتى ولو أدى ذلك بحياته، فالمخلص لوطنه من يحمل أدوات البناء والتشييد، والمعادي له من يحمل معاول الهدم والتخريب، والمحب لوطنه من ينشد الخير والسلام والأمن لبلده ومجتمعه، وعكسه هو الذي يسعى لإذكاء الفتن وإشعال الحرائق ويمارس الإرهاب والجريمة المنظمة، وإن جميع هؤلاء يتغنون باسم الوطن ويدعون خدمته والعمل لصالحه، واختلطت على العامة المفاهيم والأعمال، وبات من الصعب في العديد من الحالات والظروف والأوضاع والاضطرابات السياسية والأمنية التمييز بين المصداقية والزيف في استخدام هذه الشعارات.

وبين المواطن الصالح الناصح الباني لوطنه، وذلك الكاذب المضلل المتاجر بقضايا وطنه وشعبه، بين من يدافع عن الوطن ومن يخونه، ومن حب الوطن هو أن تنظروا إلى بلال بن رباح رضي الله عنه وهو عبد حبشي كان يسكن مكة ولما هاجر كان يحن إليه وهي الأرض التي عذبته، وكان يفول ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة، بفخ وحولي إذخر وجليل، وهل أردن يوما مياه مجنة، وهل يبدون لي شامة وطفيل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى أصحابه من المهاجرين يشتاقون إلى بلدهم دعا الله ” اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة وأشد حبا ” ولا عجب فحب الوطن من الإيمان وقديما قال الحكماء إن الحنين من رقة القلب ورقة القلب من الرعاية.

قد يعجبك ايضا
تعليقات