القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

أرطبون العرب وداهيته ( الحلقة الحادية والعشرون)

156

 

د / زمزم حسن

نظرة أهل السنة والجماعة :

يعد أهل السنة والجماعة عمرو بن العاص من صحابة النبي، ومن قادة المسلمين، وفاتح مصر، وقد ورد في فضله عدة أحاديث نبوية في كتب الحديث السنيِّة. منها: أخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين، وأحمد بن حنبل في مسنده، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ابْنَا الْعَاصِ مُؤْمِنَانِ هِشَامٌ وَعَمْرٌو».

روى الترمذي عَنْ عقبة بن عامر الجهني، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمْرُو بْنُ العَاصِ».

روى الترمذي عَنْ طلحة بن عبيد الله قال: «سمعت رسول الله يقول إن عمرو بن العاص من صالحي قريش».

روى أحمد بن حنبل في مسنده عن عمرو بن العاص أنه قال: «كان فزع بالمدينة، فأتيت على سالم مولى أبي حذيفة، وهو محتب بحمائل سيفه، فأخذت سيفًا فاحتبيت بحمائله، فقال رسول الله : “يا أيها الناس ألا كان مفزعكم إلى الله، وإلى رسوله؟ ” ثم قال: “ألا فعلتم كما فعل هذان الرجلان المؤمنان”»

نظرة الشيعة :

يعتبر الشيعة عمرو بن العاص من أعداء علي بن أبي طالب، ودائمًا ما يُوصف بأوصاف سيئة في التراث الشيعي، ومن هذه الأوصاف: “ابن النابغة”، و”الأبتر ابن الأبتر”، وتصفه إحدى الروايات بـ “شانئ محمد وآل محمد في الجاهلية والإسلام”. ويصفه بعض كتاب الشيعة بالملحد والكافر، يقول أبو القاسم البلخي: «وما زال عمرو بن العاص ملحدا، ما تردد قط في الإلحاد والزندقة، وكان معاوية مثله». كما شكك عبد الحسين الأميني في كتابه الغدير في الكتاب والسنة والأدب في نسب عمرو، وقال أن أمه كانت أشهر بغي بمكّة، وأرخصهن أجرة، لذلك يكثر في الروايات الشيعية وصفه بـ”ابن اللخناء النابغة”. كما يذكر الشيعة أنه كان يتعرض لأهل البيت بالسوء، وأنه كان يستنقص من علي بن أبي طالب بين الناس ويزعم أن فيه دعابة وأنه كثير المزاح، ويروون أنه سب الحسن بن علي في الطواف، وقد قام بعدة أمور، ومنها: قوله إنَّ الله أقام الدين بمعاوية لا بعلي، واتهامه للحسن بقتل عثمان بن عفان، وأن الحسن رد عليه بقوله: «فإنما أنت نجس، ونحن أهل بيت الطهارة، أذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيراً». 

نظرة المسيحيين والمستشارين :

تذكر المصادر الإسلامية أن عمرو بن العاص كان يعامل المصريين باللين والرفق، وخفف عنهم الضرائب والخراج، وجعلها أقل مما كانت عليه في عهد المقوقس. كما يمتدح بعض الكتاب المسيحيين المصريين موقف عمرو مع بنيامين الأول الذي كان هاربًا من اضطهاد الرومان، وسمح له عمرو بن العاص بالعودة إلى منصبه بعد أن قضى ثلاثة عشر سنة لاجئًا متخفيًا خشية أن يقبض عليه، أعيد إلى مركزه وأضحى بإمكانه أن يقوم بواجباته الدينية وهو مطمئن، وكان يستقطب الناس إلى مذهبه بالحجة والإقناع، واستطاع أن يحصل على بعض الكنائس التي تركها الملكانيون بعد خروجهم وضمها إلى كنائس البطريركية، ولما عاد إلى الإسكندرية قال لأتباعه: «عدت إلى بلدي الإسكندرية، فوجدت بها أمنًا من الخوف، واطمئنانًا بعد البلاء، وقد صرف الله عنا اضطهاد الكفرة وبأسهم». ويذكر المفكر والباحث اللبناني إدمون رباط أن سياسة عمرو والمسلمين كان قائمة على عدم الإكراه في الدين، مما استمال قلوب المسيحيين إلى الإسلام وجعلت النصارى يفضلون العيش في ظله.  بينما ينتقد عدد من الكتاب المسيحيين والمستشرقين عمرًا ويرون أنه كان يحكم بالشدة والرعب، مثل الأسقف يوحنا النقيوسي الذي قال:«إن عمرو بن العاص قبض على القضاة الروم وقيد أيديهم وأرجلهم بالسلاسل والأطواق الخشبية، ونهب أموالًا كثيرة وضاعف ضريبة المال على الفلاحين وأجبرهم على تقديم علف الخيول، وقام بأعمالٍ فظيعةٍ عديدة. وحدث الرعب في كل المدن المصرية وأخذ الأهالي في الهرب إلى مدينة الإسكندرية تاركين أملاكهم وأموالهم وحيواناتهم. وانضم إلى الغزاة الكثيرون من سكان مصر الأجانب الذين أتوا من الأقطار المجاورة واعتنقوا دينهم، ودخل الغزاة المدن واستولوا على أموال كل المصريين الذين هربوا » كما رفض الكاتب والباحث القبطي الأب بيجول باسيلي المعتقد السائد حول ترحيب المصرين بالمسلمين فيقول: « كذلك فقد رفض الأقباط بشدة جميع أنواع وطرق فرض الحماية عليهم أو إنقاذهم من ناحية جميع المستعمرين والغزاه الذين جاؤا يتذرعون بمقولة حماية الأقباط، رغم ما كان يعانيه الأقباط من الظلم والاضطهاد والقسوة. والحقيقة أن أكذوبة الترحيب هذه، هي الأكذوبة الشهيرة التي يتذرع بها ويطلقها دائمًا كل مستعمرٍ أو فاتحٍ أو محتل، يكاد لا يشذ عنها أحدًا منهم على مدى التاريخ وفي كل مكان، هي ستارٌ شفاف يحاول الفاتح أو الغازي أو المحتل أن يغطي به دوافعه الحقيقية، متوهمًا أنه قد استطاع أن يخفي الحقيقة، وأن يضفي على وجوده صفة الشرعية بأن الأهالي هم الذين استنجدوا ورحبوا به، ولا مانع عنده من أن يلصق بالمواطنين تهمه الخيانة ليسقط عن نفسه جريمة الاغتصاب. حدث هذا ويحدث ليس فقط مع من فتحوا أو احتلوا أو استعمروا مصر، بل مع غالبية الشعوب التي نكبت بالفتح أو تعرضت للغزو أو الاستعمار، هي نفس الحجة والأكذوبة وهو هو نفس الأسلوب الملتوي والمخادع لتبرير الأحداث »

قد يعجبك ايضا
تعليقات