المفهوم الشامل للوطن الجزء الرابع

إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الرابع مع المفهوم الشامل للوطن، ويروى أنه عندما تقدم نابليون نحو الأراضي الروسية بقصد احتلالها، صادف فلاحا يعمل بمنجله في أحد الحقول، فسأله عن أقرب الطرق المؤدية إلى إحدى البلدان بعد أن أعلن له عن شخصيته، فقال له الفلاح ساخرا ” ومن نابليون هذا ؟ إنني لا أعرفه” فقال نابليون غاضبا سوف أجعلك تعرف من أنا، ثم نادى أحد الضباط وأمره بأن يسخن قطعة من المعدن على هيئة حرف “N” الذي يبدأ به اسم نابليون حتى درجة الاحمرار ثم يلصقها بذراعه اليسرى، وبعد أن تم لنابليون ما أراد، هوى الفلاح بالمنجل على ذراعه من عند الرسغ وقطعها، وقال لنابليون والدم ينزف منه “خير لي أن أموت أو أحيا بذراع واحدة.
من أن أعيش بجسم تلوث بالحرف الأول من اسمك، إنني وما أملك لبلادي ” ذهل نابليون من رد فعل هذا الفلاح، فصاح في جنوده أن يحضروا الزيت، ويقوموا بغليه، ويغمروا البقية الباقية من يده فيه، لإيقاف النزيف، قائلا لهم ” حرام أن يموت رجل يملك هذه الشجاعة وهذه الوطنية ” لكنهم إلى أن أحضروا الزيت وقاموا بغليه كان الفلاح قد نزف دما كثيرا، وما هي إلا دقائق حتى لفظ أنفاسه، وحزن نابليون عليه حزنا شديدا لدرجة أنه أمر بحفر قبر له يدفن فيه، ومكث في المكان نفسه عدة أيام، وقبل أن يغادر وضع قبعته الشخصية على القبر وتركها تكريما وتقديرا لذلك الفلاح الجريء، وأمر قواته بأن تتجاوز تلك القرية ولا تدخلها أبدا.
فأين نحن من تضحياتنا لوطننا؟ فالتضحية من أجل الوطن ليست مقتصرة على مواجهة العدو والموت في سبيل الوطن ورفع الشعارات، أين هؤلاء الذين يدّعون حب الوطن والوطنية وهم من ذلك براء؟ ولا ترى في أعمالهم وسلوكياتهم وكلامهم غير الخيانة والعبث بمقدراته، والعمالة لأعدائه، وتأجيج الفتن والصراعات بين أبنائه، ونشر الرذيلة ومحاربة الفضيلة، فإن واجبنا نحو التضحية من أجل وطننا أن يضحي كل فرد في المجتمع بحسب عمله ومسئوليته، فيضحي الطبيب من أجل حياة المريض، ويضحي المعلم من أجل تعليم وتنشئة الأولاد، ويضحي المهندس من أجل عمارة الوطن، ويضحي القاضي من أجل إقامة وتحقيق العدل.
ويضحي الداعية من أجل نشر الوعي والفكر الصحيح بين أفراد المجتمع وتصحيح المفاهيم المغلوطة والأفكار المنحرفة، وتضحي الدولة من أجل كفالة الشعب ورعايته، ويضحي الأب من أجل معيشة كريمة لأولاده، ويضحي الجندي من أجل الدفاع عن وطنه، ويضحي العامل من أجل إتقان عمله، وتضحي الأم من أجل تربية أولادها، وهكذا وإننا إذا فعلنا ذلك فإننا ننشد مجتمعا فاضلا متعاونا متكافلا تسوده روابط المحبة والإخلاص والبر والإحسان وجميع القيم الفاضلة، وها هو الخليل ابراهيم عليه السلام حين ترك زوجته هاجر وابنه اسماعيل عليه السلام فى مكة المكرمة وهى واد قاحل غير ذى زرع دعا ربه أن ييسر لهم أسباب الاستقرار ووسائل عمارة الديار.
فقال الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة إبراهيم ما قاله الخليل إبراهيم عليه السلام ” ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ” وهذا كليم الله موسى عليه السلام حنّ إلى وطنه بعد أن خرج منها مجبرا، فقال الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة الفصص ” فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا فقال لأهله امكثوا إنى آنست نارا لعلى آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون ” وقال ابن العربي في أحكام القرآن، قال علماؤنا لما قضى نبى الله موسى الأجل طلب الرجوع إلى أهله وحنّ إلى وطنه.
Comments (0)
Add Comment