القاهرية
العالم بين يديك

حالة طوارئ

96

كتبت/ سالي جابر

تثاقلت الهموم، واجتازت صحراء القلوب، لتشجو معها النفس في ميادين الألم والخراب النفسي، واحتاجت بذرة الخير إلى أرض رطبة تستطيع الشمس بث أشعتها لتنتج زهور أمل يانعة. أحيانًا تمر الأفئدة بدوامات من الآلام لا تخرج منها إلا وتعتلي النفس آثار جامة، تختلف تبعًا للشخص ذاته، تنشئته، العالم المحيط به، ثقافتة، عقيدته…
وذاك يعبر عنا عندما نمر بأزمة نفسية أو جسدية، تلك الأزمة تُظهر لنا الكثير.
ماذا يعني السقوط المفاجيء من الألم، وفتح باب العمليات على مصراعيه أمام شخص لا يملك سوى قوت يومه؟
أمامه طريقين:
الأول: أن يكون تحت رحمة العلاج بالمجان، وهو طابور طويل يمتد إلى شهور من المأساة الجسدية التي تتبعها معاناة نفسية خطيرة، ربما يتعرض لتشخيص خاطئ من طبيب امتياز، دون مراجعة من رؤساء القسم.
الثاني: الدَين؛ يستلف ما يكفي لتلك المعاناة من مال، وبعد أن يشفى تتحول المعاناة الجسدية إلى طَرقات الدائنين على أبواب بيته، وقلبه، وعقله.
شبح يطارده ليلًا ونهارًا، يخشى الألم، يهاب الجراح، يأبى الخوف، إلى أن يعتاد الألم، ويستفيض قلبه بالمعاناة.

يعتاد الألم ويتكيف معه، لأنه لا يمكنه فعل شيءٍ آخر، وهنا تبدأ دوامة لا تنتهي؛ وضجيج الرأس يشتعل، فكيف لكل هذه الأمواج المتلاطمة أن تنتهي لشاطئ أمان؟!
وكيف يصبح ضجيج الأفكار أقوى من ضوضاء الشارع؟!.
كيف حالي اليوم؟
أحتاج من يساعدني للوقوف، للمشي، لا أقوى على الحركة، لا أستطيع النوم كما كنت في السابق.
وتتسارع الأفكار؛ نعم الله – تعالى- التي اعتدت عليها، أفتقدها الآن، فـكيف لو حرمني الله من نعمه إلا التي شكرته -يوميًا- عليها؟
كم يتبقى لي من النعم؟!
الآن وهنا؛ أحتاج لوقفة مع النفس لأستشعر كم الخطأ الذي كنت أفعله، أقتل نفسي مع سبق الإصرار والترصد، والآن أحاسب نفسي، فإن الشخص الأكثر وعيًا بذاته؛ هو من لديه القدرة على مخاطبة الذات ومحاسبتها.
أحاسب نفسي لأنني أعلم نعم الله الظاهرة وأشكره عليها،
وهناك نعم منتظرة؛ أسأل الله – تعالى- تحقيقها، وهناك نعم ألفتها، نعمة النظر، السمع، الشم، الرؤية، نعمة البيت الذي يأويني، قدرتي على البلع، حركة الرئتين، التقليب في الفراش عند النوم،…. وغيرها من النعم التي نعتادها؛ لكن عندما نصاب بدور انفلونزا ولا نستطيع الشم والتذوق، ونفقد شهيتنا للطعام، نعاني الأمرين لحين عودة الحياة أجسادنا مرة أخرى.
وهكذا؛ مع كل شوكة نُشاكها، إما أن نشكر الله فنُثاب عليها، أو نتأوه فقط ونجزع، وهنا تكمن المشكلة، وعلينا حقًا الرجوع إلى الله.
وَعنْ أَبي سَعيدٍ وأَبي هُرَيْرة رضيَ اللَّه عَنْهُمَا عن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَن وَلاَ أَذًى وَلاَ غمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُها إِلاَّ كفَّر اللَّه بهَا مِنْ خطَايَاه “متفقٌ عَلَيهِ”.
وعلينا أن نعلم أن الله – تعالى- لا يعطينا شيئًا إلا ولدينا القدرة على تحمله، فقال تعالى في كتابه العزيز:
” لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها”
ما أجملها من آية؛ على مدار مراحل العمر يمر الإنسان بمحن كثيرة، ربما لا يدرك معناها أو الحكمة من حدوثها؛ لكن الله – عز وجل – لم يرد بنا إلا الخير؛ لكن الجزع الآدمي يجعلنا نتسرع النتيجة والخلاص مما نعانيه فأحيانًا نيأس، ثم نعود إلى الله، وبعد مرور الوقت نفهم أن في نهاية كل نفق إشارة ضوء نستشعر بها الحياة .
المِحن تجعلنا نستنبط حكمة الله – تعالى- للأشياء التي تحدث حولنا، تجعلنا أقوى ذو شفافية، نعلم رصيد الآخرين من حولنا، تقوى سواعدنا، نتعلم أنه لا يمكننا السعادة الأبدية من دنيا فانية.
وعلينا ألا نتساءل كثيرًا، ونحمد الله دائمًا وأبدًا، لأنه مع الوقت نعلم كل شيء.
ونعيد حساباتنا في كل شيء، ونحاسب أنفسنا محاسبة لطيفة.
اللهم لك الحمد على ما أعطيت، ولك الحمد على ما أخذت.

قد يعجبك ايضا
تعليقات