القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

شخصيات تاريخية “القائد السلطان المملوكي الظاهر بيبرس”

84

تقرير محمد سعيدان

الظّاهر ركن الدين أبو الفتوح بيبرس البندقداري الصالحي النجمي “1223م – 1277م”، ولد الظّاهر بيبرس شمالي البحر الأسود في صحراء الكيبشاك أو القبجاق، وهي كازاخستان حاليًّا، إذ تعود أصوله إلى هناك، وفي إحدى الغارات المغوليّة التي شُنّت على قومه أسرَه المغول وكان يبلغ من العمر أربعة عشر عامًا، وبعدها عُرِضَ للبيع كأقرانه في سوق النخاسة في دمشق، وهو أسمر البشرة أزرق العينين جهوري الصّوت، فلمّا رآه أمير حماة لم ينل إعجابه ظنًّا منه أنّ في تلك الخشونة ما يسيء لشخصيّته، وكذلك كانت إحدى عينيه بيضاء بسبب ماء أبيض.

صفاته الخَلقية :

الظّاهر بيبرس أسمر البشرة، يمتلك عينين زرقاوين؛ وربّما كانت هاتان العينان بسبب اختلاط أصله وعدم صفائه، فأخذَ من أحد أصوله السمار ومن الآخر زرقة العيون، وهذان لا يجتمعان عادة معًا، أمّا صوته فهو عريض جهوريّ، فإذا صرخَ كان كأنّه الأسد، وهو ذو هيبةٍ ووقار إذا ما نُظر إليه من بعيد أو من قريب، وبالنسبة لقامته فلم يكن طويلًا فاحشًا لكنّه يميل إلى الطول أكثر من الاعتدال.

صفاته الخُلقية:

لقد تمتّع الظّاهر بيبرس بصفاتٍ جعلته مناسبًا للمكان الذي يوضع به، فقد كان شجاعًا كريمًا ذا هيبةٍ ووقار، وقويَّ الهمّة لا يملّ من العمل والمواظبة على ما يريد، وكان صبورًا متحمّلًا للصعاب، وقد اهتمّ أيّما اهتمام بأمور سلطنته وكان مخلصًا لها، وقد كانت غايته التي حارب لأجلها طيلة مدة قيادته ووصولًا إلى اعتلائه الحكم هي إعلاء كلمة الله تعالى ونصرة الإسلام والمسلمين، فلم يتقاعس عن نصرتهم ولو للحظة واحدة، فكان دائم الجهاد والعمل، عادلًا في حقوق الناس صارمًا عند تجاوزهم.

لقد شارك الظّاهر بيبرس في كثيرٍ من الفتوحات والمعارك، فهو على رأس الجيوش التي يرسلها، لما عرف عنه من حنكته السّياسيّة وذكائه الحاد، ومن المعارك التي شارك فيها:

معركة المنصورة:”648هـ – 1250م”

كان بيبرس في هذه المعركة قائدًا في جيش توران شاه، وقد حقّق نصرًا عظيمًا على الصليبيين حينها، كما تمكّن المماليك في تلك المعركة من أسر الملك الفرنسي قائد الحملة الصليبية، فكانت هذه المعركة من أخطر الحروب الصليبية.

معركة عين جالوت: “658هـ – 1260م”

كان الظّاهر بيبرس في هذه المعركة على رأس فرقة لمتابعة العدو وأماكن وجوده، وقد بدأ الهجوم على فرقة متقدّمة من المغول، وشعار الظّاهر بيبرس في عين جالوت “وا إسلاماه”، وقد انتصر المسلمون فيها وحقّقوا مصالح عظيمة. سيطرة بيبرس على قيسارة: “663هـ – 12655م” بعد أن استطاع الظّاهر بيبرس إعادة الأوضاع الدّاخليّة في بلاده إلى الاستقرار تفرّغ للصليبيين الذين شنّوا هجومًا على بلاد الشّام، فأعدّ الجيش لصدّه، فنجح في ذلك وتقدّم داخل المناطق حتّى بلغ قيسارية وضمّها لدولته.

تحرير صفد: “664هـ – 1266م”

حرّر الظاهر بيبرس صفد بفرضه حصارًا عليها، ثمّ شنّ الغارات الكثيرة حتى تمكن من طرد الصليبيين منها. التوجّه إلى أرمينية: أعدّ الظاهر بيبرس جيشّا إلى أرمينية، وذلك لرغبته في الانتقام من ملكهم هيثوم لتعاونه مع المغول، وقد استطاع هزيمة جيش أرمينية، كما بدّد شملهم وجعلهم عبرةً لغيرهم.

فتح قلعة الشقيف أرنون:”666هـ – 12688م”

أمر الظّاهر بيبرس بحصار القلعة ريثما تأتي القوّات إليها، فحاصرها وفتحها عنوةً بسبب إخلالهم بالاتّفاق. فتح أنطاكية: “666هـ – 1268م” فرض عليها الحصار أوّلًا، ثمّ تولّى فتحها ثلاث فرق، كان قائد إحداها الظّاهر بيبرس، ولفتحها أهميّةٌ كبيرة، إذ قطعت نقطة الاتّصال بين الصّليبيين المتواجدين في طرابلس وعكّا من جهة، وأرمينية الصّغرى من جهة أخرى، فأنتهى بذلك التحالف القائم بين أنطاكية وأرمينية والمغول.

صد الحملة التي شنّت على عكا: “668هـ – 12699م”

وصل خبر إلى الظّاهر بيبرس بأنّ الصليبيين قد قاموا بحملة على عكّا وأنّ الممالك الصّليبيّة سيشنون هجومًا على شمال بلاد الشّام، والمغول على أراضي المسلمين، فاتّجه ببعض الجند ليوهمهم بأنّه خارجٌ للصّيد، فلمّا علموا ساروا وراءه، فباغتهم بحصارٍ انتهى بهزيمتهم.

حملة بلاد الشّام: “669هـ – 1271م”

لمّا أخفقت حملة لويس التّاسع على بلاد الشّام بعد معركة المنصورة، جهّز الظّاهر بيبرس جيشًا واتّجه إلى بلاد الشّام، فأكمل تحرير قلعة صافيتا وحصن الأكراد وحصن عكا وحصن القرين، وكل ذلك لدعم مركز المسلمين في مواجهة الصّليبيين.

توفّي الظّاهر بيبرس في السابع والعشرين من محرّم سنة “676هـ – 1277م”. فبعد عودته من بلاد الروم -بعد أن كسر التتار على الأبلستين ومن ثمّ إقامته في مرج حارم- نزلَ في القصر الأبلق الذي بناه في دمشق، ثمّ انتشرت أخبارٌ بأنّ أبْغا بن هلاون -وهو من حكام المغول وابن هولاكو، وهلاون هو هولاكو- عقد العزم على المسير إلى الشّام، فجمع الظّاهر بيبرس الأمراء والقادة ليناقشوا الأمر ويجهّزوا الجيش. ولكن وصل خبرٌ إلى الملك الظاهر بأنّ جيش المغول قد عاد إلى بلاده، فبقي الظّاهر بيبرس في الشّام مدة من الزمن يرتاح فيها من سلسلة الحروب التي قد خاضها في حياته ضد المغول والصليبيين، وكان أمراء المماليك يأتون إليه في قصره بشكلٍ مستمرٍّ، وفي ذلك الوقت كان سكان العالم الإسلامي الخاضع لسيطرة المماليك ينعمُ بعيشٍ مريحٍ بعد سلسلة الحروب التي خاضها المماليك مع الصليبيين، وفي ذلك الوقت شاء الله تعالى أن يقبض روح الملك الظاهر فأدركه الموت، ودفن في دمشق في المكتبة الظّاهريّة، -رحمه الله وغفر له-.

قد يعجبك ايضا
تعليقات