كتبت/ سناء مصطفى
وقفت عربة المترو أمامها، وفكرت لأول مرة منذ لقاءها الأخير بأحدهم أن تصعد وتذهب لأبعد مكان من الممكن أن تذهب إليه، لم تكن تعلم إلى أين أو لماذا ولكن هذا ما حدث، صعدت وقررت النزول آخر الخط؛
جلست على أقرب مقعد فارغ رأته عينيها التي كانت تمتلئ بالدموع الصامتة، كبريائها دائمًا يمنعها من تلك اللحظة، ظلت تفكر في كل ما حدث وكأنه فيلم قصير سخيف لا يحتوي على أي درس مستفاد وكما العادة أرادت أن تتماسك وتنشغل بشيء آخر؛
بالفعل قررت أن تركز مع من حولها لدقائق وترى ما تقوله الأعين عادة، نظرت إلى أحدهم كان في أواخر الثلاثينات، نظراته يملأها الحزن أو التعاسة، كأن أحدهم تركه في نصف الطريق ولم يقل له أي مبرر، ظلت تفكر فيما قد يفكر من تركه هكذا، من أحزنه لتلك الدرجة، رن هاتفه فنظرت له بفضول وكأنها تريد أن تسمع نبرة صوت هذا الهادئ الحزين،
رد الرجل على هاتفه قائلًا: كيف حالك؟
– أفتقدك، من الواضح أن هذا الدواء سيجعلني أفتقدك كثيرًا.
– أمي.. أحبك، ستكونين بخير قريبًا، يديم الله وجودك يا عزيزتي.
أغلق هاتفه..
لم تفهم هي الأخرى، ولكن قالت بداخلها…
(ليست كل الخسائر حب!)
نظرت إلى أخرى تمسك هاتفها بحدة وكأنها ستحطمه، ومع كل دقيقة تمضي تنظر لهاتفها وكأنها تنتظر مكالمة أحدهم وتترقب الساعة بدقة شديدة، وفي النهاية اتصلت بأحدهم فرد الطرف الآخر.
– أرجوك لا تكسر بخاطري، أنا أريد أن أسافر معهم.. أرجوك يا أبي لا تدعس أحلامي بقدمك وتذهب، حقًا سأموت أنتظر مكالمتك من أمس ولم تتصل.. أرجوك يا أبي لا تجعل حُكمك يقتل كل ما تمنيت.
– أرجوك.
أغلقت البنت المكالمة وظلت تبكي!
وقف المترو ونزل أشخاص وصعد أشخاص وهي.. هي…
تراجعت هي الأخرى عن التعمق في ملامح الآخرين.. ولكن أثار فضولها رجل خمسيني يرتدي جلباب الفلاحين وبيديه باقة من الورود الحمراء!
نظرت إليه متعجبة ولكن فضولها جعلها تقوم من مكانها وتذهب قربه.. وقفت أمامه وقالت:
-هل يمكنني الجلوس؟
نظر إليها الرجل مبتسمًا ثم قال:
– أكيد.
جلست البنت، فسألها الرجل:
-أنتِ طالبة؟
ابتسمت قائلة:
-نعم.
ابتسم لها الرجل ونظر أمامه مرة أخرى، لم تتحمل هي الأخرى فضولها فقالت:
– باقة جميلة.
ابتسم الرجل وهو ينظر لباقة الورود خاصته ثم قال:
-هذه لزوجتي فهي حزينة لفراق ابنتنا التي تزوجت أمس، فأردت أن أسعدها قليلًا وأجعلها تتمنى لابنتها مثل تلك اللحظة التي أعطي بها الورود لها.
نظرت البنت إليه بحب وقالت:
-يديم وجودك لها.
-رأيتك حزينة من وقت صعودك وشاردة قليلًا.
تذكرت السبب وضحكت مستهزئة ثم قالت:
-كنت أظن أنني أحببت!
تعجب الرجل من كلماتها فقال:
-والآن!
نظرت له وقالت:
-فهمت معنى الحب، أظن أن رحلتي قد انتهت هنا، شكرًا لك حقًا.. شكرًا.