القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

أرطبون العرب وداهيته ( الحلقة الثالثة)

86
تقرير د / زمزم حسن
داهية العرب قبيل إسلامه لمّا عادت قريش إلى مكة بعد صلح الحديبية قرر الذهاب إلى الحبشة عند أصحمة النجاشي، فوجده اعتنق الإسلام، فاعتنق الإسلام هنالك على يد النجاشي في السنة الثامنة للهجرة الموافق 629م، ثم أخذ سفينة متجهًا إلى المدينة المنورة، فالتقى في الطريق بخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة وهما يتجهان إلى المدينة ليدخلا في الإسلام، فدخل ثلاثتهم المدينة المنورة في صفر عام 8 هـ معلنين إسلامهم.
وحينها قال الرسول: «إن مكة قد ألقت إلينا أفلاذ كبدها».
ويروى عمرو قصة إسلامه فيقول:
كنت للإسلام مُجَانِبًا مُعَانِدًا، حضرتُ بدرًا مع المشركين فنجوتُ، ثم حضرت أُحُدًا فنجوتُ، ثم حضرت الخندقَ فنجوت فقلتُ في نفسي: كم أوضِع؟ والله ليظْهَرَنّ محمدٌ على قريش، فلحقت بمالي بالوَهْطِ، وأَقْلَلْتُ من الناسِ، فلم أحضر الحُدَيْبِيَةَ وَلاَ صُلْحَهَا، وانصرف رسول الله، صََّلى الله عليه وسلم، بالصلح وَرَجَعَتْ قريشٌ إلى مكة، فجعلت أقول: يدخل محمدٌ قابلًا مكةَ بأصحابه، ما مكة لنا بمنزل ولا الطائف، وما شيء خيرٌ من الخروج، وأنا بعدُ نَاتٍ عن الإسلام، أرى لو أسلمتْ قريش كلّها لم أسلم فَقَدِمتُ مكةَ فجمعتُ رجالًا من قومي كانوا يرون رأيي ويسمعون مني ويقدِّمونني فيما نابهم، فقلت لهم: كيف أنا فيكم؟ قالوا: ذُو رأينا وَمِدْرَهُنا مع يُمن نَقِيبة وبركةِ أمرٍ قلتُ: تعلَّموا والله أَني لأرى أمر محمد أَمْرًا يعلو الأمورَ عُلوًّا مُنْكَرًا، وإني قد رأيت رأيًا. قالوا: ما هو؟ قلت: نَلْحَق بالنَّجَاشِيّ فنكون عنده، فإن يَظْهَرْ محمدٌ كنا عند النجاشي، فنكون تحت يده أحب إلينا من أن نكون تحت يَدَي محمدٍ، وإن تَظْهَر قريش فنحن مَنْ قد عَرفوا. قالوا: هذا الرأيّ! … ثم خرجنا فقدمنا على النَّجاشي، فوالله إِنَّا لعنده إِذْ جاء عَمْرو بن أُمَيَّة الضَّمْرِيّ، وكان رسول الله بعثهُ إليه بكتابٍ كتب إليه يُزَوِّجه أُمَّ حَبِيبَة بنتَ أبي سُفْيان، فدخل عليه ثم خرج من عنده… فدخلتُ على النجاشي فسجدتُ له كما كنت أصنع، فقال: مرحبًا بصديقي! أَهْدَيْتَ إِلَيَّ من بلادك شيئًا؟ فقلت: نعم أيها الملك، أَهْدَيْتُ إليك أَدَمًا كثيرًا. ثم قَرَّبْتُهُ إليهُ فَأَعْجَبَهُ… قلت: أَيُّها الملك، إني قد رأيت رجلًا خرج من عندك وهو رسولُ رجلٍ عَدُوٍّ لنا، قد وَتَرَنا وقَتَل أَشْرَافَنَا وخِيَارَنَا فأَعْطِنيه فأقتُلهُ! فَغَضِبَ فرفع يَدَه فضرب بها أَنْفِي ضَرْبَةً ظننتُ أنه كسرَهُ، وابتدر مَنْخِرايَ، فجعلت أَتَلَقَّى الدَّمَ بثيابي، وأصابني من الذُّلِّ ما لو انْشَقَّت لي الأرضُ دخلتُ فيها فَرَقًا منه فقلت له: أيها الملك، لو ظننتُ أنك تكره ما قلتُ ما سألتكه، قال: فاستحيا وقال: يا عَمرو، تسألني أَن أُعطيك رَسولَ رسولِ الله مَن يأتيه الناموسُ الأكبر الذي كان يأتي موسى، والذي كان يأتي عيسى بن مريم ــ لِتَقْتُلَه؟! قال عمرو، وغَيَّر الله قلبي عَمّا كنت عليه، وقلتُ في نفسي: عَرَفَ هذا الحقَّ العَربُ والعجمُ وتُخالفُ أَنت؟! قلت: وتشهد أيها الملك بهذا؟ قال: نعم. أشهد به عند الله يا عمرو، فأَطِعني وَاتَّبِعْه، والله إنه لَعَلَى الحَقّ وليظهرنَّ على كل من خَالَفَه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده. قلت: أفتبايعني له على الإسلام؟ قال: نعم. قال: نعم: فبسط يده فبايعتُه على الإسلام، ودعا لي بطَسْتٍ فغسل عَنِّي الدمَ وكساني ثيابًّا، وكانت ثيابي قد امتلأت من الدم فأَلقيتُها، ثم خرجت إلى أصحابي … وفارقتُهم وكأنّي أَعْمِدُ لحاجة فعمِدتُ إلى موضع السُّفُن فوجدت سفينة قد شُحِنَتْ تَدْفَع، فركبتُ معهم ودفعوها من ساعتهم حتى انتهوا إلى الشُّعَيْبَةِ فخرجت بها ومعي نفقةٌ. فابتعتُ بعيرًا وخرجتُ أريدُ المدينة حتى إذا أتيت على مَرِّ الظَّهْران. ثم مضيتُ حتى إذا كنت بالهَدَّة، إذا رجلان قد سبقاني بغير كبير يُريدان منزلًا، وأحدهما داخلٌ في خيمةٍ، والآخر قائمٌ يُمسكُ الراحلتين، فنظرت فإذا هو خالد بن الوليد. فقلت: أبا سليمان؟! قال: نعم. قلت: أين تريد؟ قال: محمدًا، دَخَلَ الناسُ في الإسلام فلم يبق أحدٌ به طُعمٌ والله لو أَقَمنا لأَخذ بِرِقَابِنا كما يُؤْخَذُ بِرَقَبة الضَّبُع في مَغَارتها. قلت: وأنا واللهِ قد أردتُ محمدًا وأَردت الإسلام، وخرج عُثمان بن طَلْحة فرحَّب بي فنزلنا جميعًا في المنزل. ثم ترافقنا حتى قدمنا المدينة، فما أنسى قول رجلٍ لقينا بِبِئْر أَبِي عِنَبَةَ يصيح: يا رَباح! يا رَباح! فتفاءَلنا بقوله وسُرِرْنا. ثم نظر إلينا فأَسمعه يقول: قد أعطت مكَّةُ المقادةَ بعد هذين! فظننت أنه يعنيني ويعني خالد ابن الوليد، ثم وَلَّى مُدْبرًا إلى المسجد سريعًا، فظننت أنه يُبَشّر رسولَ الله بقدومنا، فكان كما ظننتُ. وأَنَخنا بالحَرَّة فلبسنا من صالح ثيابنا، ونُودِي بالعصر فانطلقنا جميعًا حتى طلعنا عليه ، وإِنَّ لوجهه تهلُّلًا، والمسلمون حوله قد سُرُّوا بإسلامنا. فتقدم خالد بن الوليد فبايع، ثم تقدّم عُثمان بن طَلحة فبايع، رسول الله فوالله ما هو إِلاّ أَن جلستُ بين يديه فما استطعت أن أرفع طرْفي إليه حياءً منه، فبايعته على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي، ولم يحضرني ما تأَخَّر. فقال: “إن الإسلامَ يَحُتُّ ما كان قبله، والهجرة تَحُتُّ ما كان قبلها”. فوالله ما عَدَل بي رسول الله وبخالد بن الوليد أَحَدًا من أصحابه في أمرٍ حَزَبهُ منذ أَسلمنا، ولقد كنَّا عند أبي بكر بتلك المنزِلة، ولقد كنت عند عمر بتلك الحال.
ولمَّا أسلم عمرو بن العاص كان النبي يُقرِّبه ويُدنيه منه، وقد بعث إليه يوماً وقال له: “خُذْ عليك ثيابك وسلاحك ثم ائتِني، قال: فأتيته وهو يتوضأ فصعَّدَ فيَّ النَّظَرِ ثم طَأطأَهُ فقال: إني أريد أن أبعثك على جيش فيسلِّمُكَ اللَّهُ ويغنِّمُكَ، وأرغب لك من المال رغبة صالحة، قال: يا رسول الله، ما أسلمتُ من أجل المال، ولكني أسلمت رغبة في الإسلام، وأن أكون مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقال: يا عمرو، نِعمَ المال الصالح للمرء الصالح”.
وكان عمر بن الخطاب يتعجب من عدم إسلام عمرو مُبكرًا، فقال له: “لقد عجبت لك في ذهنك وعقلك كيف لم تكن من المهاجرين الأولين”، فقال له عمرو: “وما أعجبك يا عمر من رجل قلبه بيد غيره لا يستفز التخلص منه إلا إذا أراد الله الذي هو بيده!” فقال عمر: “صدقت”.
قد يعجبك ايضا
تعليقات