القاهرية
العالم بين يديك

مذكرات مريض نفسي (4)

117

بقلم _سالي جابر

أستيقظت وبداخلي ألف فكرة تتأوه، تتوجع، تتوسل أن تصير خارج الإطار الزجاجي الذي يحميها من ضوضاء العالم، يؤلمني رأسي كثيرًا، وكأني لم أنم، أمسكت بكوب الماء وألقيت حبة من المهدىء في فمي علًَني أهدأ …قليلٌا من الصمت، وكثيرٌ من الورق وقلم وكوب شاي ساخن يصير الدخان منه كسحابة بيضاء تعطر سماء غرفتي؛ ولكن ماذا أكتب؟! لا أستطيع كتابة شيء، ماذا عن كثرة المشاحنات التي بداخلي؛ وكأنني أعاني شخص طيب يقاتل آخر شرير يخرج من جعبته كل أسهمه ويهاجم الطيب بشدة، والأخر واقفًا منكسرًا يعاني ضجيج خوفه، وسكون حزنه، ومآسي يومه؛ لكني لا أتذكر شيئًا، ماذا عن هذه القطة الهزيلة، الضعيفة، الواهنة…؟! ولمًَ كل هذا النباح أيتها الكلاب الضالة، انقطع الضوء لبرهة فالتصقت بالحائط أحاول جاهدة أن أُخرج الهاتف من حقيبتي؛ لكنه وقع مني أرضًا وانكسر فتألمت عليه ونسيت أمر الظلام الذي كنت أقاسيه، ما هذا… أعمدة الإنارة تعمل، وضوء السيارات قوي، وفجأة خرير الماء يمحي ضوضاء الشارع ويُـسكت خوفي، أمد يدي لتخرج بحفنة منه، ولا أجد سوى أني واقفة أمام صنبور المياه في بيتي، وترمقني أختي نظرة المندهش ومع حركة شفاه غير مفهومة، ويدين تطبق إحداهما على الأخرى وترحل عني في سكوت
ما هذا الهراء الذي يحدث؟! أقبلت إلى غرفتي مسرعة أبحث عن الورق، والقلم فلا أجد سوى فنجان قهوة من الأمس.
أجلس على مكتبي، وأعيش لحظات مع عقارب الساعة وكأنها تـنبهني لشيء، ثم أعود من شرودي منزعجة مرتجفة على رنة هاتف غريبة، وأتذكر أن لدى موعد من نصف ساعة، ولكني لا أدري ماذا حدث؟!
أكان هذا حلمًا؟ أم خرج عقلي عن المألوف؟
هل أنا خائفة أم مريضة بذكريات الماضي وازدحام الأفكار؟!
وما كان علىَّ إلا أن أهاتف طبيب نفسي ليخبرني بشأن هذا كله.
بدأت أرتجف وأنا جالسة على الكرسي المقابل لمكتب المختص النفسي؛ أستمع إلى حبات الرمل التي تميل إلى الأسفل بخفة ورشاقة رغم أن لا صوت لها، تزعجني عقارب الساعة عندما تتسابق، أحرك ساقي بطريقة مزعجة، أطقطق أصابعي ثم أقضم أظافري؛ ليست المرة الأولى التي آتي بها إلى هنا، وأسترح على هذا السرير( الشيزلونج) لست كما كنت في المرة السابقة، أتعجب من حالي، نظرت حولي ثم حملت حقيبة يد وانطلقت من الغرفة مسرعة، سألتني السكرتيرة وأنا لا أجيب، ولا أهتم… خرجت إلى الشارع أتأمل المارة إلى أن تورمت قدماي، أرسلت رسالة إلى مديري بطلب أجازة من العمل لمدة أسبوعين، وافق على وجه السرعة، الأمر الذي كنت أخشي أن يرفضه؛ لكنه قبل طلبي لكثرة أخطائي في العمل، ولكن ماذا عليَّ أن أفعل في تلك الأجازة؟!
اللهم أيام بلا توتر، لأستعيد فيها حياتي السابقة، أو لأبني لنفسي عهدًاجديدًا مع الذات، لا أتقبل الخسارة، ولست قادرة على الخوض في معارك أخرى مع الحياة، تتوارد على عقلي أفكار كثيرة لا أستطيع النوم، ولا التجاوز، ولا مقابلة الطبيب، لا الحرب ولا السلام، فأنا هنا على عتبات الحياة أتمني أن تطردني منها دون جهد مني.

قد يعجبك ايضا
تعليقات