عام هجري جديد.
بقلم الأستاذ الدكتور _ عادل خلف القليعي أستاذ الفلسفة الإسلامية ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.
سرعان ما تمر الأيام، وتمضي الاسابيع، وتتسابق الشهور ويمر العام وكأنه يوم وتحل علينا ذكري عطرة محببة إلي قلب كل مسلم ومسلمة شهدوا للإله بالوحدانية، ولرسوله بالرسالة العصماء.
والعالم الإسلامي أجمع بدوله ودويلاته، وممالكه، شرقا وغربا ، جنوبا وشمالا، من أقصاه إلي أقصاه، يحتفل بذكري هجرة المصطفي صلي الله عليه وسلم.
هجرته من دار الكفر وعبادة الأوثان-وهي أحب بقاع الله إلي قلب رسول الله والذي نظر اليها قائلا: والله لولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت.
بأبي أنت وأمي يا روح الفؤاد،يا بغية المشتاق، يارسول الله-الي دار الهجرة المباركة، إلي طيبة الحبيبة، إلي المدينة المنورة التي تنورت وازدادت شرفا بمقدمه وازدانت بزينته.
هاجر المعصوم بأمر من الله بعد أن ضاقت عليه الأرض بما رحبت (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها)، فلم يجد بد من الهجرة،فالكفر ملة واحدة،والكفرة دينهم واحد وملتهم واحدة في كل زمان ومكان. فأذن له الله بالهجرة، بعد عناء ونصب وكبد وبعد أن ناجي ربه وبعد أن خذله القريب قبل البعيد، الحبيب قبل العدو، وناجي ربه،ان لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، لك العتبي حتي ترضي.
اللهم اهدي قومي فإنهم لايعلمون، لعل الله يخرج من أصلابهم من يقول لا إله إلا الله. وقد استجاب الله،فها هو خالدبن الوليد ، وعكرمةبن أبي جهل ، وعمربن الخطاب، وعمرو بن العاص وغيرهم.
هاجر النبي، وأن معه ربه سيهديه، هاجر إلي المدينة واسس دولة الاسلام ورسخ أركان دين عالمي موحي ووطد دعاماته، بشهادة أحد المستشرقين،وهو ماسينيون الذي قال: إن الاسلام دين عالمي أسس لنظام عالمي في العبادات والمعاملات بين المسلمين أنفسهم وغيره من الديانات الاخري.
وهاجر معه أصحابه وتركوا أموالهم وتجارتهم ومراعيهم فربحت تجارتهم -ربح البيع أبا يحيي ربح البيع صهيب-(إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة).
فسلعة الله غالية، تجارة الله لا تكسد ولا تبور.وأرخ الصحابةتقويما واختار عمر بن الخطاب تاريخ الهجرة ليكون تقويما للأمة الاسلامية.
نحتفل كل عام ،نعم نحتفل بذكري الهجرة،ولا نرفض ذلك ولكن لا أريد أن نقول ذكري لأن الذكري من الممكن يأتي عليها زمن وتزول وتندثر ، وهجرة الحبيب حية بيننا لا مجرد يوم علي ورقة نتيجة نتذكره بهلال الشهر الهجري.
ومن ثم أرفض هذه الكلمة جملة وتفصيلا.
أما إذا أردنا احتفاءا حقيقا فلا يكون عن طريق الكلمات الرنانة والخطب البراقة وتوزيع قطع الحلوي وتنتهي الذكري-رحماك ربي رحماك.
الإحتفال الحقيقي يكون عن طريق هجر ما حرمه الله والنهي عن كل منكر والأمر بالمعروف متي اقتضت الضرورة لذلك.
والاتجاه بالكلية قلبا وقالبا إلي الله والعود الاحمد إليه وملأ المساجد في الفجر وفي كل أوقات الصلاة والجهاد في سبيل الله والدعوة إليه بالكلمة الطيبة الحسنة والموعظة الجميلة وترك فظاظة القلب حتي لا نرسخ لما اطلقه بعض الغرب من مصطلحات كالاسلام الدموي،الاسلاموفوبيا.
ادعوا إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة،وجادلهم -ناقشهم-بالتي هي أحسن.
ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك.
هكذا يكون الاحتفال بهجرة المعصوم صلي الله عليه وسلم.فمن كانت هجرته إلي الله ورسوله فهجرته إلي الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلي دنيا يصيبها -يحصلها-أو امرأةينكحها فهجرته إلي ما هاجر اليه.
فيا أيها الأخيار يا أحباب الرسول يا من آمنتم به دون أن ترونه، وصدقتم رسالته ، هاجروا إلي الله بقلوبكم ونقوا سرائركم، وطهروا أنفسكم وهاجروا إلي الله ورسوله بترك الموبقات وفعل الخيرات.
وتذكروا أن رسول الله وصحابته والخلفاء الراشدين من بعده بذلوا كل نفيس وضحوا بأرواحهم من أجل أن يصل إلينا هذا الدين غضا خصبا طريا لا أمتا فيه ولا اعوجاج .
فهل حافظنا عليه لأنه تعالي سيسألنا ورسول الله واقف فهل نبيض وجه رسول الله أمام الله حتي نكون أهلا لشفاعته.
اللهم صلي علي صاحب الهجرة،اللهم صلي علي صاحب الحجة البالغة،اللهم صلي علي صاحب البشارة،صاحب الشامة،صاحب الراية،اللهم صلي علي خير من شد العمامة،اللهم صلي علي من كان يري من خلفه مثلما كان يري من أمامه.
هاجروا الي الله تجدوا الخير والبشارة.
هاجروا حتي يتحقق فينا قوله تعالي:(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ).
وحدثوا أولادكم وبناتكم واحفادكم وأصدقائهم عن هجرة الحبيب وكيف ضحي هو صحابته حتي يصل إلينا هذا الدين مكتمل الأركان،كاملا مكملا لانقصان فيه .
(اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا).
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.