القاهرية
العالم بين يديك

اللص

124

 

حنان_فوزي_عبدالحافظ 

بخطى بطيئة مُتئدة تسلل حذرا إلى الفيلا المقصودة بذلك الحي الأنيق. تجمد صامتا وترك لأُذنيه دفة القيادة. لحظات مرت بطيئة وهو يلزم الصمت مُجاهدًا حتى أنفاسه التي أصرت على التعبير عن نفسها شهيقًا وزفيرًا، جاءه الصمت مجيبا يؤكد ظنه ونوم صاحب الفيلا الشاب، عاد لحركته الحذرة وعيناه الفاحصتين تلتقطان الأشياء ليضعها في الحقيبة الرياضية التي يحملها بحرص. 

كان عليه أن ينتقى بعض مما طلبه جابر؛ ذلك اللص الذي يستولى على جُهده بقروش ثم يبيعه بأضعاف مضاعفة، إنها سرقة علانية ولكن لن يجد قاض واحد يقنع بهذا! 

انشغل بما يفعل وهو يتنقل بين الغرف على ضوء كشاف هاتفه المحمول حتى سقط ضوؤه على لوحه كبيرة معلقة. لم تكد عيناه تقعان عليها حتى تجمدتا في دهشة والتصقت قدماه في الأرض بلا حراك، مد يده إلى رقبته يجذب طرف سلسلة فضيه كانت مختفيه أسفل ثيابه، في منتصفها ظهرت دلاية صغيرة من النوع الذي يمكن فتحه.

فصل جانبي الدلاية عن بعضهما البعض. نظر للصورة الصغيرة الباهتة بداخلها. ألقى حقيبته أرضًا دون اعتبار لصوت سقوطها أو تحطم ما بداخلها.

بيد مرتعشة وأنفاس واجفه أمسك طرف قميصه القطني وشرع يمسح برفق على الصورة الصغيرة لتظهر أكثر.

تمعن فيها طويلًا ثم رفع عينان ملهوفتان لمثيلتها على الحائط و قد ركز الضوء عليها يتفحصها ركنًا ركنًا.

لا شك في هذا؛ إنهما لنفس الشخص. بل هي نفس الصورة بالضبط، نفس الملابس، نفس النظرة البريئة. لا فارق سوى احتفاظ الصورة الاكبر ببهائها بينما رسم الزمن خطوطه بقسوة على زميلتها. 

هل يمكن أن تكون مجرد صورة لفتاة جميلة كالتي توجد بأي إطار صور جديد؟! ولكن هل يحرص أحدهم على وضع صورة كهذه في رقبة رضيع وهو يتركه أمام ذلك الملجأ المتداع بإحدى الشوارع الشعبية الفقيرة؟! 

هل يكون الشئ الوحيد الذي يعرفه عن حياته وعائلته. هو مجرد صورة عارضه بإطار؟!! لا ليست الشئ الوحيد: أسمه أيضًا؛ مازن.

الاسم الذي بدا غريبا في عالمه لكنه ما نشأ عليه واعتاده. 

عاد عقله يهتف صارخا وهو ينظر للصورة الكبيرة بإطارها الذهبي الفاخر:

– الناس يلقون مثل هذه الصور الجاهزة بالقمامة لا يكبرونها ويعلقوها على جدران ردهة منازلهم!!!

توقف لحظه مفكرًا وقد تلاحقت أنفاسه في سباق أولمبي محموم. أعتدل بهدوء وشد قامته ثم تحرك بخطى رصينة واثقة يعتلي الدرج الداخلي إلى الغُرف العلوية. بحث بينها حتى وجد أمامه جسدا مُسجى على الفراش، أعمل نظره فيه، له نفس الأنف! نفس الشعر الفاحم، والشفاه المكتنزة!

تمتمت شفتاه والحقد يقطر من بينهما:

– إذا أنت من اختارت الاحتفاظ به؟!! 

تأمل الفراش الفاخر والأغطية الحريرية.. الأثاث الراقي الذي يحتاج أموالًا لا يعرف عدها لشراء قطعة واحدة منه.

تلمست خطوط كفه اليد الناعمة للجسد الراقد برفق فتقلب صاحبه وإن ظل مغمض العينين. عاد يكرر بلهجة أكثر ضراوة:

– هو أنت!! 

هتف بها و هو يغرس سكينة في صدر صاحب الفراش وقد أحكم اغلاق فمه. لحظات مرت بين انتفاض الجسد ودهشة العينين اللتين لم تستوعبا ما يحدث حتى انطفئتا إلى الأبد. 

راقب المشهد أمامه؛ الدم المتدفق، السيل الصغير الذي انساب على الأغطية الفاخرة فأبت أن تتشربه داخلها واكتفت بخط أحمر قاني يمر فوقها قبل أن تتساقط قطراته على الأرض بصوت رتيب.

لحظات قبل أن يتحرك مغادرًا الغرفة. عاد أدراجه إلى أسفل، في طريقه أشعل أضواء المنزل كلها، حمل حقيبته وتحرك إلى الباب وفتحه. التفت يلقي نظرة أخيرة على الفيلا الساكنة قبل أن يوصد الباب ويتحرك مبتعدا دون أن يرعى اهتماما للافتة المعلقة عليه.لافتة تحمل أسم. مازن إبراهيم

قد يعجبك ايضا
تعليقات