القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

الشريف غالب يغدر بسعود الكبير ووقوع معركتي الحِنَاكِية وتْرُبَة

322

 

 

تقرير د / زمزم حسن

 

بعد انقضاء موسم الحج وعودة سعود الكبير إلى الدرعية، قام الشريف غالب بن مساعد بمراسلة قوات محمد علي باشا عارضا عليهم تسليم جدة ومكة دون قتال؛عندها وقع بعبدالله بن سعود الكبير ما أوحشه من الشريف غالب بن مساعد وأحس بغدر الأخير، فاستظهر جنوده المخلصين له بمكة وعجلوا بالخروج منها.

عندها قام إمام الدولة السعودية سعود الكبير بتجريد حملتين إحداهما بقيادة ابنه فيصل بن سعود الكبير لدعم المرابطين جهة مكة الذين جَدَّ الشريف غالب في طلبهم، والذين تنقلوا بين العبيلاء والطائف (دخلها أتباع الشريف في شهر صفر) ورَنْيَة واستقروا بتْرُبَة.

والأُخْرى خرج هو على رأسها من عشرين ألفاً في آخر ربيع سنة 1228هـ/1813م قاصداً جهة المدينة المنورة لمعاقبة القبائل التي غدرت به ولمحاولة قطع الطريق بين المدينة المنورة والإمدادات القادمة من ناحية مصر، فنزل الحِنَاكِية شرق المدينة المنورة وهزم حامية طوسون باشا فيها واستردها، ثم سار منها حتى بلغ جبل أحد، فأغارت عليه الخيالة العثمانية وحاولت استدراجه لأسوار المدينة المنورة وعليها أحمد بونابرت فلم تفلح، وواصل مهاجمة القبائل التي غدرت به حتى بلغ الصفراء فأحرق نخيلها، ثم سار في الحرة ونزل على أهل بلدة السوارقية فهزمهم وقطع نخيلهم.

في تلك الأثناء، وفي شهر شعبان، اكتمل جمع طوسون باشا ومصطفى بيك مع الشريف غالب في مكة بعد أن وصلت السفن العثمانية جدة الساحلية من ناحية مصر محملة بالمؤن الكبيرة. خرج مصطفى بيك لاحقاً قاصداً تْرُبَة شرق الطائف؛ البلدة المحصنة التي استقر فيها المرابطة من أتباع الدرعية بعد خروجهم من مكة والتي قصدها فيصل بن سعود الكبير لدعم من استعصم بها. فحاصرها مصطفى بيك لثلاثة أيام وأخذ في ضربها بالمدافع حتى أقبل مدد من أهل بِيْشَة وغيرهم لفك الحصار، فناوشوا قواته حتى أوقعوها في أحد الكمائن وكسروها. ففر مصطفى بيك أخيرا إلى الطائف واحتمى بها. أرسل طوسون باشا إلى أبيه لاحقاً، يخبره بأمر هزيمة قواتهم في تْرُبَة، وأنه يجهل مصير الحامية في الحِنَاكِية لسيطرة سعود الكبير بن عبدالعزيز على الطرق الموصلة لها، وأنه خشي أن تنكث العربان عهودها، وتنقلب عليه. وألح على أبيه في سرعة إرسال نجدة إليه. لذا، قرر محمد علي باشا أن يتولى قيادة قواته بنفسه وسار إلى الحجاز سنة 1228هـ/1813م.

 

بلغت خسائر الحملة العثمانية في دورها الأول على الحجاز نحو ثمانية آلاف مقاتل نظامي، كما خسرت من مؤونتها نحو خمسة وعشرين ألف رأس من الماشية، وكلفت الحملة إلى ذلك الحين 35 مليون فرنك.

في حين خسرت الدولة السعودية مناطق مهمة في الحجاز، مثل: وادي الصفراء الإستراتيجي، والطائف، وميناء جدة، وفقدت الحرمين الشريفين. كما خسرت في أقصى جنوبها الشرقي أجزاء كبيرة من عمان، إثر مقتل قائدها هناك، مطلق بن محمد المطيري، والذي قتل في بلدة الواصل عقب ثورة اندلعت أثناء انشغال الدرعية بأحداث الحجاز، كما فشلت الحملة التي بعثها إمامها سعود الكبير بقيادة عبد الله بن مزروع التميمي لوقف التراجع على الجبهة العمانية سنة 1813م،كما توفي أبرز حلفائها الشيخ حميد بن ناصر الغافري العماني، مما دفع بقواتها للتحصن في البريمي حتى سنة 1233هـ/1818م. خسرت الدولة السعودية أيضا عاملها على الحجاز، عثمان بن عبد الرحمن العدواني، حيث غُدِر به وأُسِر من قِبَل بعض العربان الذين نجح طوسون باشا في استمالتهم بالأموال قرب العبيلاء، وبتدبير الشريف غالب، فَسُلم للقوات العثمانية، وأُرْسل إلى القاهرة ومنها إلى الأستانة. وقد روى عبد الرحمن الجبرتي المؤرخ المصري المعاصر لتلك الحقبة قصته، بقوله: «كان أعظم أعوانهم وهو الذي كان يحارب لهم ويقاتل ويجمع قبائل العربان ويدعوهم عدة سنين ويوجه السرايا على المخالفين ونما أمره واشتهر لذلك ذكره في الأقطار»، إلى أن قال: «واستهل شهر ذي القعدة بيوم الثلاثاء سنة 1228 وفي خامس عشره، وصل عثمان.. صحبة المتسفرين معه إلى الريدانية آخر الليل، وأشيع ذلك، فلما طلعت الشمس ضربوا مدافع من القلعة إعلاما وسروراً بوصوله أسيراً، وركب صالح بيك السلحدار في عدة كبيرة، وخرجوا لملاقاته، وإحضاره، فلما واجهه صالح بيك نزع من عنقه الحديد، وأركبه هجيناً، ودخل به إلى المدينة وأمامه الجاويشية والقواسة الأتراك، وبأيديهم العصي المفضضة، وخلفه صالح بيك وطوائفه، وطلعوا به إلى القلعة، وأدخله إلى مجلس كتخدا بيك وصحبه حسن باشا وطاهر باشا وباقي أعيانهم، ونجيب أفندي قبي كتخدا الباشا ووكيله بباب الدولة، وكان متأخرا عن السفر، ينتظر قدوم المضايفي -عثمان- ليأخذه بصحبته إلى دار السلطنة، فلما دخل عليهم أجلسوه معهم فحدثوه ساعة، وهو يجيبهم من جنس كلامهم بأحسن خطاب، وأفصح جواب، وفيه سكون وتؤدة في الخطاب، وظاهر عليه آثار الإمارة والحشمة والنجابة، ومعرفة مواقع الكلام، حتى قال الجماعة لبعضهم البعض: «يا أسفاً على مثل هذا، إذا ذهب إلى إسلامبول يقتلونه»، ولم يزل يتحدث معهم حصة، ثم أحضروا الطعام فواكلهم، ثم أخذه كتخدا بيك إلى منزله، فأقام عنده مكرماً ثلاثة حتى تمم نجيب أفندي أشغاله، فأركبوه وتوجهوا به إلى بولاق، وأنزلوه في السفينة مع نجيب أفندي، ووضعوا في عنقه الجنزير وانحدروا طالبين الديار الرومية، وذلك يوم الإثنين حادي عشرينه».

 

وصل محمد علي باشا ميناء جدة مع أربعة آلاف مقاتل نظامي، وقاد قواته في ذي القعدة سنة 1228هـ/نوفمبر 1813م، وكان ذلك بعد التراجع الذي لحق بطوسون باشا ومصطفى بيك على جبهتي الحِنَاكِية وتْرُبَة سنة 1813م.

ومنذ وصوله إلى جدة، بدأ بالتخطيط للمرحلة المقبلة من الحرب، مع تجهيز قواته لمواجهة جيش الدولة السعودية الرئيس، وحسم الأمر في معركة فاصلة. كما اتخذ عدداً من الإجراءات المهمة، كتخفيف الضرائب المفروضة على العربان، ليقضي على أي تذمر بينهم، وصرف أعطيات شهرية، لمن أسندت إليه منهم عمليات حفظ الأمن. وجعل ثغر جدة، هو المستودع الأساسي للعتاد الحربي. ورتب وسائل نقل العتاد والمؤن، إلى الداخل. واتصل بسلطان مسقط، واستأجر عشرين سفينة لنقل المؤن، لمدة سنة كاملة. وأقام مجموعة من الحاميات، في النقط المهمة إلى جانب من انضم له من العربان، خشية عامل المفاجأة.

وبعد التخطيط للقتال، أرسل محمد علي باشا، ابنه طوسون باشا، الذي اتخذ من الطائف مقراً لقيادته، على رأس قوات يصحبها الشريف راجح، أحد كبار الأشراف وشجعانهم، وتوجهوا نحو تْرُبَة. في حين توجه محمد علي نفسه إلى مكة وألقى القبض على الشريف غالب بن مساعد؛ لأنه ارتاب في مسلكه، ورأى أنه من أسباب تقدم أتباع الدرعية. كما صادر أمواله، وبعث به إلى القاهرة في ذي الحجة سنة 1228هـ/ديسمبر 1813م. ومن القاهرة، نقل الشريف غالب ناحية الأناضول، ثم نفي إلى سالونيك، وظل فيها حتى توفي أواخر سنة 1231هـ/1816م.

 

روى ابن بِشر عن ما فعله محمد علي باشا في الشريف غالب وأحداثها، بقوله: «فلما دخل مكة واستقر به القرار فيها سار إليه غالب الشريف للتهنئة. فأكرمه محمد علي وأعظمه وأعطاه جزيلاً وفعل معه بالظاهر فعلاً جميلاً، وكان قصده غيره ذلك. فلما ضبط محمد علي مكة بالعساكر وزاره الشريف على عادته أمسكه وقيده وحبسه وأحاط بجميع ما يملك من الأموال والأثاث والمتاع والحلقة والكراع والمماليك، وأخذ جميع ما في خزائنه من الذهب والفضة وغير ذلك مما يعجز عنه الحصر، وأخرج حرمه وعياله من قصر أجياد المعروف في مكة، واستولى عليه».

قد يعجبك ايضا
تعليقات