القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

دخول الحجاز في طاعة إمام الدرعية 

361

 

 

تقرير د / زمزم حسن

 

الرحالة الاسباني دومينغو فرانثيسكو باديا الذي شهد تسليم مكة بفتح أبوابها لإمام الدرعية سعود الكبير بن عبد العزيز في حج سنة 12211هـ.

في سنة 1217هـ الموافق لسنة 1802م، قدم على الدرعية صهر الشريف غالب بن مساعد، عثمان بن عبد الرحمن العدواني، وكان مبعوثاً من قِبَل الشريف غالب في مكة للتفاوض بعد أن لاقت الدعوة السلفية استحسان بعض قبائل الحجاز التابعة للشريف، وظهر جلياً خوفه من أن تنقلب عليه. تأثر عثمان العدواني أثناء إقامته بالدرعية بما يدعو إليه علماؤها؛ إذ انضم إليهم، وخلع ما كان عليه الشريف غالب والعثمانيين، وسار من نفس العام لضم الحجاز، ونشر الدعوة السلفية فيه. كان يرافقه سعود الكبير ابن الإمام عبد العزيز بن محمد مع عدد كبير من قوات الدرعية، وكان ذلك قبيل اغتيال إمام الدرعية عبد العزيز بن محمد.

 

هُزِم عسكر الشريف غالب بن مساعد من نفس العام في معركة العبيلاء، ثم اجتمع لدى عثمان العدواني من أهل البادية والحاضرة في نجد والحجاز الكثير، فتوجه بهم إلى الطائف وفيها الشريف غالب بن مساعد وقد تحصن واستعد لمنازلتهم، فحاصرها، فما كان من الشريف إلا أن ترك الطائف متوجهاً إلى مكة، فدخلها عثمان وأتباعه، وخضعت له جميع قراها وبواديها، فجمع الأخماس وبعثها إلى الدرعية؛ وعلى إثر ذلك تم تعينه أميراً على الحجاز تقديراً لصنيعه.

 

وفي سنة 1218هـ الموافق لسنة 1803م، خضعت أرياف الحجاز الجنوبية، ومن ثم حاصر عثمان العدواني عامل الدولة السعودية على الحجاز مع أتباعه مكة، ودخلها من دون قتال بعد خروج الشريف غالب بن مساعد إلى جدة، في حين هاجم سعود الكبير بن عبد العزيز جدة، فامتنعت عن السقوط، فانسحب لمناعة أسوارها على أن يعيد الكرة لاحقا. استغل الشريف غالب بن مساعد عودة سعود الكبير (بُوْيع إماماً إثر حادثة اغتيال أبيه من نفس السنة)، واستولى على مكة، في حين توجه عثمان العدواني إلى جدة وحاصرها دون طائل. دخل معظم أهل الحجاز في طاعة عثمان العدواني بعد أن تأثروا بالدعوة السلفية، وقد أقام عثمان حصناً منيعاً في المدرة، وجعل عليه أحد المخلصين له ليكون كتثبيت لسيطرته.

استمر عثمان العدواني بمضايقة عسكر الشريف غالب بن مساعد ودارت بينهم وقائع كثيرة، تلاها صلح بين الدرعية والشريف غالب بن مساعد بعد أن ضيق علماء مكة على الشريف، فخضع الشريف غالب للدرعية، وعُيِن قائماً على مكة، فامتد نفوذ الدولة السعودية لمكة المكرمة وكان ذلك بعد أن بايع أهل المدينة المنورة إمام الدرعية وهدموا قباب القبور ناحيتهم سنة 1220هـ الموافق لسنة 1805م. وفي صفر من نفس السنة 1220هـ الموافق لسنة 1805م، هجمت قوات الدرعية على العساكر العثمانية في أكبر معسكراتهم بالحجاز، وهزمتهم، فدان الحجاز كاملاً للدولة السعودية، وبايعت بقية القبائل إمام الدرعية على السمع والطاعة وانتظم الأمر لسعود الكبير بن عبد العزيز.

 

أَرَّخْ الرحالة دومينغو فرانثيسكو باديا الإسباني أو علي بيك العباسي الذي كان قد قصد مكة قادماً من القاهرة في صورة حاج للاستقصاء بعد أن تناهت الأنباء عن خضوع الشريف غالب للدرعية سنة 1220هـ الموافق لسنة 18055م، والذي شهد تسليم مكة بفتح أبوابها لإمام الدرعية سعود الكبير بن عبد العزيز في حج سنة 1221هـ، ما نصه: «شاهدت رتلاً عسكرياً، يشكل طابوراً مكوناً من خمسة أو ستة آلاف شخص. كما بدى لي. متكدسين في طول السكة وعرضها، مما يستحيل معه الحركة، يتقدم القافلة اثنان من الفرسان المسلحين برماح طولها مترين، وتنتهي هذه القافلة بخمسة عشر أو عشرين ممتطين الخيول والجمال، يحملون الرماح بأيديهم كرفقائهم السابقين، ويلحظ أنهم لا يحملون أعلاماً ولا أبواقاً.. كان بعضهم خلال هذه المسيرة يرفعون أصواتهم بهذه المناسبة المقدسة، بينما آخرون يتلون الأدعية في صوت مرتفع ومبهم كل على طريقته؛ وفي هذا الوضع المشار إليه، صعدوا بانتظام إلى أعلى المدينة، وهناك تفرقوا على شكل فصائل.. وبعد مدة محدودة، رأيت جيشاً مؤلفاً من خمسة وأربعين ألفاً من الوهابيين، أكثرهم كانوا راكبين على الجمال، وفي معيتهم آلاف من الجمال الأخرى التي تحمل الماء والخيام والخشب للوقود والأعشاب الجافة لجمال القادة، ومجموعة تقدر بمئتين من الخيول التي تحمل الأعلام.. مرفوعة على الرماح، وقد قيل لي أن هؤلاء الخيالة ينتمون إلى القائد الثاني أبي نقطة؛ وقد لحظت سبعة أو ثمانية أعلام من راكبي الجمال بدون طبول ولا أبواق ولا أية أداة عسكرية أخرى، وبما أن هؤلاء الرجال جميعاً كانوا في ثياب الإحرام وكذلك قادتهم، تعذر عليّ تبين سعود.. إلا أن شيخاً جليلاً ذا لحية بيضاء طويلة يتقدمه العلم الملكي بدا لي أنه السلطان -الإمام-، وكان هذا العلم الملكي أخضر.. منقوش عليه بأحرف بيضاء ضخمة. ولم يلبث الجبل حتى اكتسى وما حوله من الأرض بجموع الوهابيين، وكان مشهدهم يملأ النفس ذعراً.. يطيعون زعماءهم طاعة عمياء، ويتحملون صامتين كل أنواع المشاق».

قد يعجبك ايضا
تعليقات