القاهرية
العالم بين يديك

خطاباتٌ تحتضنُ الليل الخطابُ الخامس عشر

177
بقلم-مودّة ناصر
عزيزي أهلاً،..
البعيدُ مكانًا، والقريبُ قلبًا، والساكنُ فيِّ وجدانًا، والمتصلُ بيّ صمتًا وكَلامًا.
آملُ أنك بخيرٍ، وأن الأيام تحملُ إليك بردها وسلامها، وأنكَ إبراهيميٌّ، صبورٌ، مُتيقنٌ بأن الله سيُنجيك من نارِ الدنيا وعذابها.
لم أكتب لك منذ أبريل الماضي، والحقيقةُ أني أفتقدُك جدًا.
عزيزي،
وددتُ لو أن سمرًا بيننا دائمًا أبدًا،
وأنك هنا رفيقي ومؤنسي..
يقولُ إيليا أبو ماضي:
“وفاضت على ثغرِ الحزين ابتسامةٌ * تُخبِّرُ أن الحزن ليس بدائمِ”
تعلمُ يا عزيزي أنَّ أيامًا تمرُّ ونظن من قسوتها أنها لن تنجلي، نغرقُ في غياباتِ الظلامِ وننسى النورُ على شُرفة البئر. تأتينا الفجعةُ فننكرها، ثمَّ نقبلُها، ثم نظنُّ أن لا أختًا لها أبدًا، إلى أن يختبرنا الله بما هو أشد منها.
عجيبةٌ الأيامُ بتقلباتها وأقدارها، بربيعنا فيها وخريفنا، برفقتنا ووحدتنا، بخطواتنا الواثقة وأختها المُرتجفة، والأكثرُ عجبًا سرعةُ التحوِّل بين هذا وذاك.
هذا الذي تراهُ بعيدًا، ومِن رحمة الله بك يجعلهُ قريبًا. وذاك الذي تراهُ قريبًا ومن حكمة الله التي لا تدركها يجعلهُ بعيدًا. وخُلِق الإنسانُ ظلومًا، جهولاً، عجولًا.
تعلمُ يا صديقي، إننا أطفالٌ نحبو على أعتابِ هذه الحياةِ، التي رغم تعقيدها وتقدُّمها بدائيةٌ إلى أقصى حد، وأطفالًا نحن جئناها وحيدين، -والوحدةُ هنا ليست تلك التي تضنيك ألمًا وحسرةً-، وإنما التي تهبك نشوة الفوزِ بانتصارك الأول، انتصارك الوحيد، والفريد بفرديّة وجودك، وبصمة الحياة فيك، التي لا تُشبهها بصمةٌ مهما بدا ظاهرًا مُتشابهًا.
أكُتب إليك كطفلٍ يوثِّقُ اكتشافه لصديقٍ عزيز،
أُخبرُك أنَّ البُكاء الذي يَهلِكنا يَهلَكُ يومًا، وأن أنهار البسمةِ التي ضحلت سنينًا يُغيثها اللهُ بالفيضِ أعوامًا.
وأنَّ الحُزن ثقيلٌ كدُّرةٍ في قاع المُحيطِ، دُّرةٌ تُثقِلُ الإنسان وتضيؤه في آنٍ واحد؛ فيسيرِ ثقيلاً، ومضيئًا، وباسِمًا.
أنَّ الوحدةَ جميلةٌ لاكتشافِ ذاتِك فلا يُضلك أحد، وموحشةٌ باكتشافِك أن الذات تفتطرُ على الونس.
وأن الفقدَ يأكلُ الإنسانُ شيئًا فشيئًا، فيستعينُ على جميل الذكرى لترميمِ ذاته، لكنَّ ثمةً شيء لا يعودُ يا صديقي..
أكتُب إليك لأن الكتابة ونسٌ وأملٌ في لقاء، وأني مهما أحتجزتني غياباتُ الجُبِّ فتأخرتُ عليك، سأعودك يومًا حينما يذكُرني الصبحُ وتراني فُوهةُ البئر.
وها نحنُ نحبو إلى أن ينتهي الدرب..
عزيزي،
هلّا حدثتني عنك كطفلٍ وحيدٍ يكتشفُ الحياة؟
وددتُ لو أن سمرًا بيننا دائمًا أبدًا،
كن بخيرٍ، واكتب لي.
١٩ يوليو ٢٠٢١م.
قد يعجبك ايضا
تعليقات