القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

حب الأنا وتدمير الذات ” الجزء الثانى “

130

كتب د _ عيد علي

الحب أفضل نعمة وهبها الله تعالى للمخلوقات جميعا وتعددت درجاته ومنزلته فكان حب الله أعلاها منزلة ولعل حب الأنا أدناها منزلة.

ومقالنا الذي بين أيدينا يتناول حب الأنا ونتيجته المحتومة ألا وهي تدمير الذات. وليس الهدف من هذا المقال تسليط الضوء على هذا النموذج السلبي ولكن نهدف في نهاية المقال أن نضع الحلول للحد من هذه الصفة الذميمة علنا نُقوّم قدر المستطاع من البعض. 

فالأنا مرض أخلاقي يصيب المرء حينما يطلق العنان لغريزة حب الذات لتوجه شخصيته وعلاقته بالآخرين فهذه الغريزة عمياء ليس لها مركز سيطرة وإنما يتم السيطرة عليها وضبطها بالعقل والدين ، وخطر هذه الغريزة قد يفوق خطر كل غريزة لأنها تسخدم بقية الغرائز لإشباع نفسها فتتفجر غريزة الجنس وغريزة السيطرة وغريزة الغضب .. وعلاجها قد يؤدي الى الحد من طغيان الكثير من الغرائز الأخرى عند الإنسان.

 وكل منا صاحبَ أو زاملَ أو جاورَ مثل هذا النوع من الأشخاص فهو لا يرى إلا نفسه وأنه على صواب ومن حوله على خطأ والعجيب أن هذا الشخص لا يستطيع تحمل النقد، لا يشبع من المدح. كما أن معظم علاقاته مع الآخرين سطحية رغم أنه ليس منطوياً على نفسه، فهو صاحب شخصية جذابة مثيرة للاهتمام في المراحل الأولى للعلاقة ومن الأخطاء الكبرى التي يقع فيها البعض هو الاعتقاد بقدرته على تغييره ، فبمواجهته يزيد من عناده ومقاومته للتغيير، وهو أمر نابع من عدم قدرته على تحمل النقد، إذ يعتقد في النهاية أنه أفضل من كل من هم حوله، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة “دي فيلت” الألمانية

وتكمن خطورة حب الأنا عند صاحبها أنه يعيش لذاته فحسب ، فيوظف كل طاقاته وإمكانات ، 

وجهوده لصالح ذاته ، وتحقيق الرفاهية لحياته الخاصة ، ويرفض ان يصرف ولو جزءاً صغيراً من طاقاته لخدمة الآخرين إن أحس أنه ليس الأول والفريد. رغم اعتقاده الداخلي أنه يساعد الجميع وأنه لولاه لما كان للعمل ثمرة وأن النجاح مرهون بوجوده والأعجب من هذا وذاك أنه مدمن للتهديد عاشق للهروب إذا صعب عليه أمر يلقى باللوم على الآخرين وأنه برئ كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب. 

أن يعيش الإنسان لذاته يعني ان يوفر لها أكبر قدر ممكن من اللذات والشهوات والمصالح ، فيعيش في دائرة مغلقة ( دائرة الأنا ) يعمل ليعيش ويعيش ليعمل فيصدق عليه قول أمير المؤمنين ( في نهج البلاغة ) :

« كالبهيمة المربوطة هما علفها أو المرسلة شغلها تقممها تكترش من اعلافها وتلهو عما يراد بها ».

 والأمر الثاني : هو تحول ذات الإنسان الأنانية إلى قيمة عليا ، يقيس بها كل شيء ، وينظر من خلالها إلى كل شيء ، وتسقط كل قيمة يرجع إليها ، أو مثل أعلى يحتكم اليه ، على العكس تماماً من الإنسان السوي الذي حينما تعرض عليه فكرة أو نظرية من النظريات ، فإنه يخضعها لمقاييس عقلية او مبدئية ، لاكتشاف صحتها أو خطأها ، أما الإنسان الأناني فإنه يخضع الأفكار والرؤى التي تعرض عليه ، إلى مقاييس المصلحة الشخصية ، والربح والخسارة ، وهو مستعد ان يضحي بكل القيم السائدة في المجتمع ، سواء منها الديني أو العرفي .. ويدوسها تحت قدميه ( وهي جملته الشهيرة) إذا تعارضت مع مصلحته ومنفعته ، غير ان الإنسان الذي يؤمن بقيم ومثل وتتركز عواطفه تجاهها ، فانه على استعداد أن يضحي بذاته ومصالحه من أجل تلك القيم والمثل. 

  والأمر الخطير في تقديس الذات هو تحول الذات إلى إله يعبد كما يقول القرآن الكريم :

( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)

 فالحق عنده ما وافق الهوى والباطل ما خالفه ،ويوضح الله سبحانه وتعالى سبب مخالفة ورفض الكثير من المشركين للأنبياء والرسالات الإلهية بقوله : 

 ( أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ) 

والحق أقول أن مرض الأنانية مرض عضال ، ولأنه عضال فهو يتفاقم وتزداد مضاعفاته وأعراضه في شخصية الإنسان الأناني ، وهنا نتطرق الى أهم الصفات السيئة التي يفرزها مرض الأنانية في الجزء الثالث من سلسلة مقالات الأنا وتدمير الذات

قد يعجبك ايضا
تعليقات