القاهرية
العالم بين يديك

أمل مجنون

222

بقلم / نيرة رزق

يستيقظُ في صباحِ اليومِ التالي ليجد نَفْسَهُ في غرفتهِ البيضاءِ، يرتدي زِيَّهُ الأبيضَ كأنَّ شيئًا لم يكنْ، ينهضُ ليجلسَ في مكانهِ فيشعرُ بالألمِ في رأسِهِ، من الخلفِ، ويضعُ يديهِ مكانَ الألمِ ولكن لا يجدُ أثرًا للجرحِ، فيعتقدُ أنهُ كانَ يحلمُ، ولا يُعطي للأمرِ أهميةً، فقد كانَ توقفَ عن التفكيرِ في أيِّ شيءٍ وكلِّ شيءٍ منذ فترةٍ، كان قد قرأَ في كتابٍ قديمًا: «أنهُ إذا تعرضَ الإنسانُ للأذى الجسديِّ داخلَ الحلمِ يستيقظُ، ويجدُ أنَّ جسدَهُ يؤلمُهُ دونَ آثارٍ للجروحِ، وكأنَّ الروحَ والجسدَ لا ينفصلانِ أثناءَ النومِ كما يعتقدُ البعضُ.»
يجلسُ في مكانهِ ويجدُ نفسَهُ يتحركُ للأمامِ في حركتهِ المضطربةِ المعتادةِ، ثمّ يجدُ الممرضةَ تأتي نحوَهُ، فقد كانَ من داخلهِ يشعرُ بها وهي تأتي، رغمَ أنهُ لم ينظرْ لوجهِها قطُّ، ولا يعرفُ ملامِحَها ولا نبرةَ صوتِها إلا أنهُ كان يعرفُ أنها هي التي تأتي عن ظهرِ قلبٍ.
ربما حَفِظَ خَطواتِها أو رائحَتها، لا يعرفُ السببَ، فقط كانتْ هي التي يُميِّزُها، لكنه اليومَ تجرأَ لأولِ مرةٍ ورفعَ رأسَهُ ونظرَ لها ليرى وَجْهَها أمامهُ، كان طوالَ الوقتِ لم يرَ إلا اللونَ الأبيضَ من حولهِ، اليوم لأول مرة رأى لونًا مختلفًا، كانت امرأةً في أواخرِ الثلاثينياتِ، وَجهُها مستديرٌ، خمريةُ البشرةِ، عيونها سوداءُ وواسعةٌ كأنها تستطيعُ احتواءَ من ينظرُ بداخلِ عينيها، وأنفُها مستقيمٌ ومرتفعٌ قليلًا، ولديها طابعُ الحسنِ أسفلَ ذَقنها، ولكنها لم تكن تنظرُ إليه.
أعطتهُ الدواءَ وكان كلُّ شيءٍ طبيعيًا ومكررًا، لكنهُ يجدُ الممرضةَ بعد أن تعطيَهُ الدواءَ تلتفتُ حولَها عدةَ مراتٍ وكأنها خائفةٌ أن يراها أحدٌ ما، وتخرجُ من جيبِها سِرًا كريمًا للجروحِ وتضعُهُ خلفَ رأسهِ مكانَ الجرحِ الذي يؤلمه والذي رآه في حلمه.
فتفاجأ ورفع رأسه لينظر إليها ليفهمَ ولكنها تغادرُ مسرعةً، تَترُكُهُ في حيرتهِ، ولكن ما أن تغادرُ يجدُ نَفسَه يعيشُ نفسَ الحلمِ بكلِّ تفاصيلهِ من جديدٍ، صُّراخُ ابنهِ والدمُ والسكينُ والألمُ، ولكن تلك المرةَ سمعَ ما يقوله له ابنُهُ قبل أن يفقدَ حياتَه بين يديه مجددًا.
قال له من بين الألم: «أبي سامحني يا أبي لأنني لم أصدقك، جعلتني أعتقدُ أنكَ تريدُ التخلصَ منها ومني، وأنك أنتَ من قتلت أمي، إذًا هي التي تخلصت منها مثلما فعلت معي الآن، اهرب يا أبي قبل أن تتخلص منك أنت أيضًا، سامحني لأنني رفضت أن نجعلها تخضع للعلاج ولم أصدقك، وها أنا أدفع حياتي ثمنًا لعدم ثقتي بك، سامحني يا أبي».
وقبل أن يتمكن من فهم ما يحدث حوله وجد ضربةً قويةً تأتي لرأسهِ من الخلفِ ويسقطُ بجانبِ ابنهِ فاقدًا للوعي مرةً أخرى.
‏ ‏
” إلي اللقاء في الجزء القادم ”

قد يعجبك ايضا
تعليقات