بقلم -أماني مرسال
ذات يوم كانت حواء تسير على إحدى الشطآن كعادتها كل صباح وبعد فترة جلست لتستريح على الرمال بعد أرهقها السير و ضغوط الحياة الملقاة على عاتقها ،
فجذب انتباهها زجاجة ملونة تلمع من بعيد على الرمال ، فقامت و تناولتها وأخذت تقلبها بين يديها ثم أطلقت العنان لخيالها ،
و تساءلت لما لا تكون هذه الزجاجة مصباح علاء الدين ، الذي أرسله الله لي في الوقت المناسب ليساعدني
و أخذت تتفقد الزجاجة و تمنت في نفسها أن يخرج منها العفريت ويقول لها جملته الشهيرة (شبيك لبيك )
أمسكت بالمصباح جيدا و ازداد شغفها ولمع بريق عينيها حينما وجدت الدخان يتصاعد من الزجاجة معلنا خروج العفريت و سرعان ما تمثل لها بجسده الضخم
فأغشى عليها ليس من الخوف والرهبة بل من الفرحة و هول المفاجأة
فأخيرا تحققت لها أمنية من أمانيها
استعادت حواء قواها النفسية و تمالكت أعصابها و استردت وعيها على صوت العفريت ،
سمعا و طاعة سيدتي الجميلة أنا من الآن خادمك أنفذ لك كل ما تؤمرين به ،
حواء : حقا ستنفذ لي كل ما أطلبه ،
العفريت : نعم سيدتي فقط عليك أن تؤمري وأنا أطيع
فكرت حواء بعمق و استجمعت كل أمنياتها في كلمة واحدة أريد أن أكون سعيدة في كل جانب من جوانب حياتي
أجابها العفريت : السعادة ليست مطلبا محددا ومن الأمور النسبية لكل فرد منا فما يسعدك لا يسعد غيرك و ما يسعد غيرك لا يسعدك ، كما أن السعادة لن تأتينا بقفزة واحدة وإنما لابد لها من خطوات متدرجة ،
حواء : ألست عفريتا ؟! ولك قوى خارقة تصرف و اجلب لي السعادة التي تناسبني و بأي وسيلة
ضحك العفريت مجيبا : من أهم السنن الكونية التدرج في كل شيء حتى خلق الإنسان نفسه فيه تدرج من نطفة حتى أصبح إنسانا كاملا له قلب ينبض و عقل يفكر ، نصيحتي إليك سيدتي لا تستعجلي أي أمر من أمور حياتك فمن يستعجل ظروفه يضع نفسه لقمة سائغة لهذه الظروف و دائما الاستعجال يؤجل الإستجابة
فعليك أن تكوني متريثة و لديك خطة واضحة و خطوات ثابتة لتحقيق أهدافك و أمنياتك
حواء :
و عليك أن تكون صبورا معي أيها العفريت فأهدافي لا حصر لها و لا نهاية فهي تشبه موج البحر هذا الذي أمامك ،
لكنني جد مرهقة و أريد الٱن هدنة و فترة نقاهة و راحة كي أستعيد سعادتي و راحة بالي التي افتقدتها منذ زمن بعيد
و بعد تفكير تتوجه للعفريت
مطلبي الآن هو ( أن أعود فتاة مرفهة كما كنت من قبل ) و أن أتخلص من كل المسئوليات و الضغوط الملقاة على عاتقي حتى تعود حياتي بلا متاعب عمل ولا هموم أبناء و لا مشكلات زوجية و أسرية
العفريت مندهشا : سمعا و طاعة سيدتي ، لك ما تطلبين
حواء بالفعل لم تعد عمودا مؤسسا لأسرة ولا مسئولا
بل صارت تابعا لا متبوعا و تخلصت من كل ما أرهقهها من مسئوليات ، و هموم
لكنها للأسف ما زالت تفتقد معنى السعادة و لم تنعم بالتخلي عن أدوارها في الحياة و أصبحت تعاني من تبعية الأهل و الأسرة و فرض الرأي وأمور أخرى لم تكن في حسبانها تماما
عادت حواء للعفريت بائسة متجهمة ،
هل لي من مطلب ٱخر أيها العفريت كي أحقق السعادة ، العفريت : بالطبع سيدتي
أجابت مسرعة : أريد أن أكون مستقلة في كل شيء ، أكره التبعية للآخرين و هذا هو ما منع عني الشعور بالسعادة عندما كنت فتاة صغيرة ،
العفريت :
أصبت حواء فالاستقلال شعور جميل و بالفعل يكسب الفرد الإحساس بالراحة والسعادة و سأصف لك الآن وصفة سحرية تمنحك إياه
الاستقلال يحتاج إلى قرار ينبع من داخلك
وأن يكون لك هدف و غاية تسعين دوما لتحقيقه في هذه الحياة و إلا ستصبحين أنت و سيلة لتحقيق اهداف الآخرين
الاستقلال أن تكون الظروف مسخرة لك وألا تسمحي للظروف أن تسخرك لها
اجعلي الحياة لعبتك المفضلة و أنت فقط من معه مقاليد تلك اللعبة،
قرري ، حددي ، انطلقي و جربي ، لا يهم النجاح أو الإخفاق مرة بعد مرة ستلعبين بإتقان و مهارة
حواء : و كيف انعم بالاستقلال و انا حياتي مرهونة و مرتبطة بزوج وأبناء و أهل
العفريت
عندما تكونين مستقلة بذاتك ولذاتك و مع ذاتك ستكونين انت القائد الحكيم لنفسك و رغباتك و تطلعاتك لبيتك و لزوجك و لأولادك
استقلالك هو أحد أسرار سعادتك و سعادة كل من حولك لأن سعادتك ستنعكس على الجميع
و سيؤدي بك إلى حسن التصرف و الحكمة في كل شيء
حواء : و بعد الاستقلال و التخلص من التبعية ، هل لي من مطلب ٱخر
العفريت : اطلبي عزيزتي حواء
حواء : قررت النجاح في العمل و جني المال فهذا الذي سوف يحقق و يكمل لي سعادتي و هنائي و يشعرني بالاستقلالية و الحرية
العفريت : أمر مطاع سيدتي ، من الآن مال الدنيا كله تحت قدميك ، و بالفعل أصبحت حواء ناجحة و من أشهر سيدات الأعمال لكنها ما زالت تفتقد معنى السعادة و الأمان ، مرهقة النفس والذهن دوما
حصرت نفسها في دائرة واحدة فقط لا تستطيع ان تخرج منها حتى تحافظ على مصدر أمانها و نجاحها ، و نسيت في الزحام دورها الأساسي نسيت أنها منبع الحب والحنان لنفسها و لكل من حولها
يسال العفريت نفسه حزينا على ما صارت إليه حواء : هل حققت السعادة بالفعل و هل امتلكت الدنيا حقا أم الدنيا هي التي امتلكتها ،
للأسف أصبحت حواء أحد تروس عجلة الحياة التي لا تتوقف أبدا و ما زالت تفتقد وتبحث عن معنى السعادة
و بعد تجربتها الأليمة مع العمل والمال بدات تفكر في أدوارها الاساسية وتذكرت أنها أم لديها اطفال صغار فبدأت تفكر بطريقة أخرى ،وتوجهت للعفريت بمطلب رابع
أريد أبناء متفوقين دراسيا و علميا حاصلين على أعلى الدرجات فهذا ما يحقق لي السعادة
وبالطبع وافقها العفريت على مطلبها سريعا
و قررت هي و على الفور أن تكرس كل وقتها من أجلهم و أصبح كل هدفها في الحياة التفوق و النجاح الدائم و التحصيل الدراسي و اجتياز الاختبارات واحدا تلو الآخر بتميز منقطع النظير
بالفعل نجحت حواء في تحقيق هدفها لكنها نسيت وسط زحام الكتب والمذكرات أن ترتقي بأرواحهم و نفوسهم كما ارتقت بعقولهم ، نسيت أن تغرس القيم و المباديء نسيت أن تغذي الروح والعقل معا نسيت أن ترويهم بعطفها و حبها و حنانها
فصار بينها وبينهم فجوة تتسع و جدار يعلو و علاقات متقطعة
حواء صارت مرهقة وأصابها الإحباط والتخبط و كذلك العفريت !!!!!
فهي لم تحصل على السعادة التي تبحث عنها ولا العفريت قادر على إرضائها
، جلس الاثنان بجوار بعضهما البعض صامتين في شرود ثم صاحت حواء فجأة في وجه العفريت أفزعته
أعترف لك الآن أيها العفريت الطيب بسر تعاستي و عدم قدرتي على تحقيق السعادة ، فأنا لم أكن واضحة معك من البداية
أجابها العفريت المسكين : اعترفي يا حواء ما الذي يمنعك من السعادة ،
أجابت على استحياء : سر تعاستي هو شريك حياتي الذي لم يعد يفهمني و لا يمنحني الحب و العطف الذي وعدني بهما افتقد مودته واهتمامه أعاني من طبعه الفظ والقاسي ، اعاني من غيابه رغم حضوره ووجوده بجانبي
لذا فأنا قررت أن أطلب منك مطلبي الأخير والذي به تتحقق لي السعادة للأبد
أيها العفريت : أريد أن أبقى وحيدة وبمفردي وان أحيا لذاتي ولنفسي فقط
مطلبي هو
أن أتخلص من …….
وقبل أن تستأنف قاطعها مسرعا :
مهلا حواء و تريثي
فلم يخلقك الله تعالى لتعيشي وحيدة أو لتتجردي من حقيقتك و طبيعتك الأنثوية بل لتكوني سكنا و حصنا وأمانا للرجل ، ولكن ليس لأي رجل عزيزتي
فعليك حسن الاختيار من البداية فاختاري من يسكنك وانتقي من يستحق أن تكوني له الحصن والسكن
أحسني اختيار ساكن روحك و أمان نفسك و درع وقايتك ،
و إن فات أوان الاختيار فحاولي الإصلاح مرة بعد مرة و استمري للأمام ولا تتراجعي ، حاولي ولن يضيع الله جهدك باذن الله
كوني المستقلة والتابعة الملكة والجارية ، الأم والبنت والطفلة والحبيبة والصديقة
ربة المنزل و سيدة الأعمال … الساذجة و الواعية المتسرعة و الحكيمة المثقفة و الأمية
كوني الصفة و عكسها تبعا للموقف ، كوني مرنة فليس كل موقف يحتاج منك القوة و الصلابة بل هناك مواقف عدة تحتاج منك الضعف و الاستكانة
وأخيرا أقول لك سر السعادة التي طالما أرهقك البحث عنها
سر سعادتك يا حواء في التوازن و الاعتدال في كل شيء ، و أن تعي جيدا
أن لربك عليك حقا وأن لنفسك عليك حقا وأن لأهلك عليك حقا
فاعط يا حواء كل ذي حق حقه باعتدال و توازن تنعمي بالسعادة التي تبغينها