القاهرية
العالم بين يديك

القراءة من منظور نفسي

67

كتبت/ سالي جابر

” عندما أقرأ كتابًا للمرة الأولى أشعر أني قد كسبت صديقًا، وعندما أقرأه للمرة الثانية أشعر أني ألتقي صديقًا قديمًا” هكذا وصف “أوليفر سميث” القراءة بالنسبة له، وقال عنها ” دوستويفسكي” ” باستثناء القراءة ما كان لي مهرب أخر أستطيع اللجوء إليه”
فالقراءة تمنحنا التحليق في عوالم مختلفة، نغوص بها ومعها فالجميع يرون أننا جالسون نقرأ؛ بينما نحن تارة نحلق في السماء، وتارة نغوص في البحار، ننجذب تجاه كل حرف، ونتفكر ما بين السطور، ونحل ألغاز الشخصيات، وربما نصنع أجوبة لأسئلة بداخلنا، فالقراءة تصنع لنا عالم صغيرًا كبيرًا يمنحنا الحياة، ويحول ساعات الملل إلى متعة، وهي النافذة التي نطل بها إلي العالم، وقيل لأرسطو كيف تحكم على إنسان؟ فأجابه: كم كتابًا يقرأ وماذا يقرأ؟
وبهذا عنما ندخل عالم القراءة نخرج منه أغنياء الفكر، فالفكرة ثمرة تغذيها طيات الكتب.
وأصبحت القراءة الآن جزءًا من العلاج النفسي مثل العلاج بالموسيقى والعلاج بالرقص والعلاج بالرسم، ظهر أيضًا العلاج بالقراءة، وبالطبع ليس كل المرضى على قدر من الاطلاع؛ لكن دور المعالج النفسي أن يعلم أولًا هل يرغب المريض في القراءة أم لا؟! ومن ثَمَّ عليه تحديد نوع الكتب التي يحتاج المريض لقرأتها، فإن كان مريض اكتئاب أو وسواس قهري يحتاج إلى نوع من الكتب التي تساعده على تخطي حزنه، وقد ذكر د. هشام بحري- رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر- أن ” القراءة تقي من الوقوع في الأمراض النفسية المختلفة وتقلل من احتمال حدوثها، وأن الشخص القارىء أكثر وعيًا ودراية بالأمراض المختلفة من غيره، ومن ثم يمكنه تفادي الوقوع بها”وهناك نوع من أنواع العلاج يسمى ( العلاج المعرفي السلوكي) وهو قائم على تغيير معرفة الإنسان وثقافته ومن ثم التحكم في سلوكه.
أحيانًا يختار شخص نوعًا معينًا من الكتب ولا يود قراءة غيره، وقد نجد فروقًا فردية في استيعاب وفهم الكتاب، والبعض يقرأ قراءة متأنية وأخر يقرأ قراءة سريعة، والبعض يحمل في يديه قلمًا ليحدد ما يهمه وآخرون يقرأون نوعًا من الكتب أو الروايات حسب حالتهم المزاجية، وكل هذا تفسره العديد من النظريات النفسية القرائية حيث طرحت المربية الروسية” كرويسكايا” مسألة هامة وهي ضرورة دراسة الاهتمامات المختلفة للقراء، وعالجت مسألة الفروق الفردية السيكولوجية في الاستيعاب وأنماط التفكير المختلفة لدى القراء، وأشارت إلى أن الكتاب الواحد يُقوَّم تقويمًا مختلفًا باختلاف القاريء.
أما عن مفهوم النمط القرائي الذي يضم التأثيرات المتنوعة لخبرات القراء الماضية والحاضرة والمستقبلية؛ حيث يمكن القارىء الانتقال من نمط إلى آخر عندما توفر الظروف الملائمة للشخصية من حيث( المزاج، الطباع، القدرات، الدوافع، الاهتمامات)
• أولًا المزاج:
حيث يمارس الشخص تأثيرًا متنوعًا وحاسمًا على القراءة وأنواعه:
• ‏المزاج الصفراوي: حيث ينكب هنا الفرد على المطالعة دون توقف أو انقطاع.
• ‏المزاج الدموي: حيث القراءة السطحية دون تركيز مع تخطي بعض السطور
• ‏المزاج الليمفاوي: حيث يقرأ الفرد ببطء وتتابع منطقي.

ثانيًا الطباع:
الخاصيات التي تميز الفرد وتعبر عن موقفه المميز من العالم والناس والمحيطين، والتي من بينها التقمص والتوحد مع الشخصية الآدبية الداخلي، وبالرغم أنها لا شعورية إلا أنها تنتقل فيما بعد إلى العلاقات الواقعية مع الآخرين.
ثالثًا القدرات:
وهي من خصائص الشخصية التي تحدد التنفيذ الناجح للعمل، وهنا نتحدث عن القدرات العقلية مثل(التخيل، التفكير، الذاكرة، الانفعالات)
وتنقسم إلى:
• مرحلة ما قبل القراءة: وتشمل أهداف القراءة لدى الشخص والتي تؤثر على اختياره للكتاب الذي يقرأه
• ‏مرحلة القراءة: حيث تقول الباحثة ل. جاپيتسكايا” كي تصبح القراءة فعلًا متواصلًا يجب أن يطابق اتجاه المؤلف اتجاهًا معينًا لدى القارئ، اتجاه ترفيهيًا، اتجاه مهدئ، اتجاه تربوي.
• ‏مرحلة ما بعد القراءة: حيث تقويم المادة المقروءة وتحقيق التأثير اللاحق منها.

رابعًا: دوافع القراءة: وهي دوافع شعورية أو لاشعورية تدفع القارئ بحالة من الرضا، وذكرت الباحثة بليايفا أكثر من ثلاثين دافعًا قرائي مختلفًا، قد تكون دوافع( معرفية، جمالية، انفعالية، ترفيهية)
خامسًا: الاهتمامات القرائية:
وضع العالم الروسي ليونتيف نظرية أسماها نظرية نشوء الاهتمام يقول فيها ” التقاء الحاجة بالموضوع هو عمل استثنائي، إنه عملية تُنشئ الحاجة واكسابها مضمونًا”

وبعض الدراسات صنفت القراء إلى أربعة نماذج:
• نموذج رومانسي: يتواجد بين الأطفال حيث يفضلون الحكايات وكتب المغامرات
• ‏نموذج واقعي: يشمل الكتب التي تصور العالم المحيط، والعلاقات بين الأشخاص.
• ‏النموذج العقلاني: يفضلون فيه الكتب ذات الطابع المعرفي بحثًا عن التثقيف الذاتي، وإيجاد تفسيرات لما يصوره الكاتب.

وهناك دراسة أخرى للعالم النمساوي بامبرغر تصنف القراء تبعًا لدوافع القراءة فكانت:
• القراءة السريعة: وتدل على مدى أهمية الكتاب للقارئ.
• ‏القراءة المعلوماتية: مثل قراءة الصحف
• ‏القراءة تحليلية: قراءة مصحوبة بورقة وقلم لتحليل مضمون الكتاب.
• ‏قراءة ترفيهية: والأعمال الأدبية حيث يعيش القارئ أحداث الرواية.
• ‏قراءة متفرغة: كقراءة الأعمال الشعرية والأدبية الرفيعة.
• ‏قراءة تصحيحية: تركز على الأحرف والكلمات والجمل بهدف التصحيح.
وهكذا يفسر لنا علم النفس العديد من الأسئلة حول الأشخاص في القراءة، وأحيانًا نجد شخصًا يشتري العديد من الكتب ألوان متعدد دفعة واحدة فهو قد يكون مريضًا باقتناء الكتب أو حسب تفسيرات علم النفس هو قارئ يصنف القراءة حسب دوافعه النفسية وحالته المزاجية
إلى لقاء آخر مع مقال عن محبي اقتناء الكتب.

قد يعجبك ايضا
تعليقات