كتب د _ عيد علي
جسد الأديب الراحل يوسف السباعي رواية السقا مات والتي تناول فيها الحياة المصرية في ذلك الوقت عن طريق مهنة وحرفة السقا والتي عاصرها بعضنا إلا أن أجيالا متعاقبة في حقبة التاريخ المصري لم تشاهد السقا ولا تعرف عنه إلا ما جسد في بعض الأفلام القديمة وقلما فطن إليها الكثير من الجيل الحالي.
تعالوا بنا نلمس مهنة من أهم المهن في ذلك الوقت وهي مهنة السقا فمن هو السقا؟
السقا هو رجل قوي البنية يحمل قربة مصنوعة من جلد الماعز المدبوغ دباغًا جيدة جدًا لا تحمل أي أصباغ داخلها حتى لا تؤثر على طعم أو لون الماء.. يتم اختيار السقا بواسطة شيخ السقايين، بأن يقوم الشخص المتقدم للوظيفة بحمل شوال من الرمل يزن ٦٧ رطلاً لمدة ٣ ليال كاملة دون الجلوس أو حتى الانحناء أو النوم.. وبمجرد الانتهاء من الامتحان الأول يبدأ شيخ السقايين في الاستعلام عن أخلاقه وصفاته ومعرفة السيرة الذاتية للمتقدم لوظيفة السقا، فلابد من الأمانة والنظافة الشخصية والاستعداد لتحمل الصعاب.
وبعدها ينضم السقا إلى طائفة من الطوائف الخمس للسقايين في مصر: (طائفة حارة السقايين، طائفة قناطر السباع، طائفة تنقل المياه على ظهر الجمال، طائفة باب اللوق، طائفة باب البحر نسبة إلى حي باب البحر)، وبمجرد انضمام السقا إلى إحدى الطوائف الخمس، يبدأ في البحث عن السكن وهو عادة ما يكون قريبًا من مصادر المياه التي ينقلها في قربته.
ويبدأ السقا في شراء القربة المصنوعة من جلد الماعز من المدابغ، ويتأكد من نظافتها وعدم وجود أي ثقوب بها ويقلب القربة من الداخل، وعندما يرتاح إليها يدفع ثمنها ليبدأ في رحلته اليومية في توفير المياه للمنازل والجوامع والأسبلة المنتشرة في ربوع المحروسة وللأفراد، وقد يحمل مع القربة الجلد برميلًا كبيرًا أعلى عربة كارو صغيرة بعد تزويده بصنبور لضخ المياه، وكان تعامله اليومي يبدأ بالأماكن العامة التي يستطيع الحصول منها على المقابل فورًا.
أما البيوت فإن التعامل عادة ما يكون بالشهر أو الأسبوع، حيث يحمل السقا حجر من الطباشير وبمجرد الانتهاء من توفير المياه للمنزل يضع علامة على باب الدار وفي نهاية الأسبوع أو الشهر يجمع العلامات، ويحاسب صاحب البيت وأحيانًا كان يلجأ السقا إلى توفير حبات من الخرز لصاحب البيت، كلما قام بزيارته يحصل على حبه من الخرز خوفًا من مسح بعض العلامات من البيوت وتعتبر واحدة من حيل السقا للحصول على حقه من المال.
ولم تقتصر مهنة السقا على توفير الماء فقط، ولكنه أحيانًا ما كان يقوم بدور رجل الإطفاء أو رش الدكاكين صباحًا بالاتفاق مع أصحابها يوميًا نظير الماء والكسوة السنوية، واعتبرت مهنة السقا من المهن المربحة لأصاحبها.
واستخرج للسقا رخصة للعمل من (الإدارة المحلية عن تسير واعتماد سقا) تتضمن الرخصة توقيع الكشف الطبي على السقا والمواصفات الجسدية والاسم واللقب ومحل السكن، واعتماده سقا .
ومن أشهر السقاه مرزوق علي واسم الشهرة محمد السقا.. الجنسية مصري.. السن ٤٢ سنة.. محل الميلاد المنوفية.. جهة السكن باب الشعرية.. تاريخ الرخصة ١٨٨٦ .
وتتضمن الرخصة المواصفات الجسدية من الطول واللون ولون الشعر وتحديد وظيفة السقا (سقا مسجد).
الرخصة كانت جواز المرور للعمل ولم يسمح شيخ السقايين لأى سقى بالعمل دون رخصة، وجاء في كتاب “إحصاءات عن مصر”، أن عدد السقا وصل إلى ٣ آلاف و٨٧٦ شخصاً عام ١٨٧٠ ، ويعتبر رقماً مناسبًا نسبياً لعدد السكان. وركن عدد كبير من السقايين إلى السكن بحي عابدين بحارة صغيرة أُطلق عليها بعد ذلك حارة السقايين وهي الحارة التي سكنت بها شفيقة القبطية وولد بها أحمد رامي.
هذا وقد عرفت مصر مهنة السقا في عصر الخلفاء والفتح الإسلامي، نظرًا لصعوبة الحصول على الماء للبيوت والأسبلة والجوامع، كانت الحاجة إلى وسيط يستطيع نقل الماء من النيل أو الآبار أو الخليج المصري الذي كان يصب في ترعة الإسماعيلية فظهرت مهنة السقا.
وبعد إنشاء شركة المياه ١٨٦٥ التي قامت بضخ المياه في أنابيب توزع المياه بالقاهرة وإقامة (حنفية) عامة بالحواري والشوارع أخذت مهنة السقا في الاحتضار قليلاً، لكنها لم تختف، فقد ظل الكثير من الأماكن العشوائية لم تصل إليها المياه بعد وبقيت الحنفيات والأسبلة تسقي الناس وظل الحارس على السبييل يطلق عليه المزملاتي.
بعد أن يقوم السقا بتوفير الماء لأصحاب المنازل والمدارس والجوامع ويحصل على المقابل الشهري منهم تنتهي مهمته، ولكن قد يتعثر على البعض توفير ثمن الماء أو قد يكون عابر سبيل يحتاج إلى شربة ماء لاستكمال رحلته وشرب الدواب معه، عندها فكر بعض الأثرياء في توفير الماء دون مقابل لكل محتاج، وذلك بعمل حيلة (الزير المعلق)، وهي عبارة عن زير من الفخار مربوطة بسلاسل حديدية أعلى المنزل لتوفير الماء، وانتشرت تلك الحيلة في الحواري الضيقة، واستطاعت توفير الماء لعدد محدود فقط نظرًا لحجم الزير مما يجعل السقا يقوم بملء الزير أكثر من مرة في اليوم الواحد ولكنها لم تستطع الوفاء لأكبر عدد من عابري السبيل أو الدواب الخاصة بالمسافرين.
كان تفكير الأثرياء والملوك والسلاطين في التسارع في بناء الأسبلة (السبيل)؛ لتوفير الماء لكل عابر سبيل وصدقة جارية لهم ولأفراد أسرتهم وانتشرت الأسبلة في البلاد الإسلامية بشكل كبير تكاد
والآن هل أدركنا أهمية قطرة المياه وهل عرفنا من أين جاءت فكرة مبرد المياه ( الكولدير) في الشوارع
هذا جزء من كل لعلنا نربط الحاضر بالماضي