بقلم الأستاذ الدكتور _ عادل خلف عبدالعزيز استاذ الفلسفة الإسلامية ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.
أفلاطون رائد الإتجاه المثالي في الفلسفة اليونانية، أفلاطون الذي دعي الي قيم الحق، والخير، والجمال.
هل تحقق ذلك صعب مناله في واقعنا المعيش، هل من الصعوبة تحقق الخير في حياتنا وواقعنا.
ألسنا نؤمن بأن الإنسان خير بطبعه وسجيته.
ألسنا نؤمن أن الخير والشر متلازمان، يسيران في خطين متوازيين، لا يمكن بحال من الأحوال أن يلتقيا، وان الغلبة في نهاية المطاف لفضيلة الخير،. لان تلك سنة كونية، وسنةالله في خلقه.
حقا إننا نعيش واقعا يجمع ما يجمعه من المتناقضات، يجمع الكراهية والمحبة.
الحسن والقبح، الجميل والجليل.
الفضائل والرذائل.
لكن أين نحن من كل هذه الأمور،من كل هذه المتناقضات، لابد أن يكون لنا دور فاعل في حياتنا ،لابد أن نحي الجانب القيمي بداخلنا.
فالقيم كالجواهر المصقولة تحتاج أن نزيح عنها غبار المادة وطغيانها،. سيطرة الشهوات بكل أنواعها شهوة الجاه،المال،الاغترار بالجمال.
لابد من إعادة صقل الجوهر من جديد عن طريق إعادته سيرته الأولي،احياء الجانب الروحي.
التخلي عن ميكنة الإنسان، فالإنسان ليس ترسا في آلة، بل هو ذات مفكرة دراكة تعي ما تقول، تعي ماتفعل.
فلماذا أصبح الإنسان مغتربا عن ذاته،لماذا صار كالريشة في مهب الرياح.
لماذا بات تتقاذفه التيارات والاتجاهات.
الرد عندي لانه انعزل عن ذاته وترك نفسه تتخبطه الشهوات لا ، بل وانغمس بكليته فيها،فصار غريبا مغتربا مستغربا، متغربا.
عندما حدثنا أفلاطون عن العدالة ومفهومها، وجدناه يقول لايمكن بحال من الأحوال أن تتحقق عدالة حقيقية الا إذا سيطر العقل علي الشهوة وعلي الغضب.
فالإنسان بما هو كذلك يجمع بين ثلاثة قوة ، القوة الغضبية وفضيلتها الشجاعة، والقوة الشهوية وفضيلتها العفة، والقوة العاقلة وهي التي تضبط الايقاع فتهذب الغضب بالشجاعة فليس الشديد الغاضب بالسرعة ولكن الشجاع من يملك نفسه عند الغضب كيف؟! ،عن طريق العقل.
وكذلك الشهوة وتهذيبها بتوضيح معني العفة وضبط هذه الشهوة وتهذيب جموحها عن طريق الروية والتعقل.
فإذا ما سيطرة القوة العاقلة علي هاتين القوتين،تحققت العدالة في الإنسان وأصبح عادلا مع نفسه فلا يقحم نفسه في مشاريع تقوده الي التهلكة، بل وتقوده إذا لم يتحقق مبتغاه ومراده الي الحيرة والشك وفقدان الثقة بنفسه ، بل قد ينعكس ذلك سلبا علي مجتمعه الذي يحياه.
أفلاطون الذي دعي في فكره الأخلاقي إلي الفضائل واقتناءها،ومعرفة الرذائل واجتنابها.
أفلاطون الذي رفض رد خيرية الأفعال وشريتها الي الإنسان،وان الإنسان مقياس كل شيئ.
أفلاطون الذي رفض ربط قيمة الفعل بما يترتب عليه من نتائج. وانما قيمة الفعل في الفعل ذاته في احترام الواجب دون النتائج.
أفلاطون الذي أنكر علي السوفسطائية قولهم أن الطبيعة البشرية عبارة عن حشد من الميول والأهواء ولا ينبغي أن نستحي في إشباعها.
أفلاطون الذي دعي الي تحقيق العدالة في المجتمع ، عدالة اجتماعية دونما طبقية، عدالة إقتصادية في توزيع الثروات بالتساوي بين الناس.
عدالة في التعليم،في العلاج والصحة. عدالة في الحقوق، لك حقوق تأخذها غير منقوصة.
عليك واجبات تؤديها بمنتهي الحب غير متضرر إذا ما كلفت بعمل ما ، فقبل أن تطالب بحقوقك ادي ما عليك من واجبات.
أفلاطون تحدث عن مثلت هرمي للعدالة،رأس هذا المثلث الحاكم العاقل المتعقل الحكيم الذي يمتلك من الحكمة والحنكة والكياسة ما يستطيع معهم أن يرتفع ببلده إن كان رئيسا،يستطيع أن ينجو بآل بيته إن كان رب أسرة ، أو مديرا لمؤسسة، أو منظمة، أو هيئة فهو مسؤول عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
فالحاكم لابد وأن يكون جيد الفهم ،قوي الشكيمة،حازم ،حسن العبارة،حسن المنظر، له قوة تأثير علي كل من حوله. جواد ، كريم، يؤثر مصلحة مملكته علي مصلحته الشخصية.
كل هذه الصفات خلعها أفلاطون علي الحاكم الفيلسوف.
وإذا كان هذا هو رأي أفلاطون فإنني أري أن كل إنسان فيلسوف في ذاته،وكل إنسان حاكم في مملكته، يقود دفة سفينته الي بر الأمان.
إذا ما تحقق ذلك تحققت القيم المنشودة الحق،الخير،الجمال.
فأهل الخير في كل زمان ومكان هم أهل الحق،واهل الخير والحق ،بالضرورة سيجمعوا الجمالين، الجمال المادي، والجمال المعنوي، ما اروعهما إذا ما اجتمعا