القاهرية
العالم بين يديك

قهوة عكس الحياة

127

بقلم- سالي جابر  

” كنت أغسل كآبتي الكبيرة في فنجان القهوة الصغير” وصف دقيق بارع للكاتب ” غسان كنفاني” في ذاك الفنجان الصغير القادر بكل براعة على غسل حزنه والتخلص منه، وما أبدع كلمات الكاتب” محمود درويش” في تأملها وسحرها حين قال”لا تُشرب القهوة على عجل، القهوة أخت الوقت تُحتسى على مهل، القهوة صوت المذاق، صوت الرائحة، القهوة تأمل وتغلغل في النفس وفي الذكريات، القهوة هي القراءة العلنية لكتاب النفس المفتوح والساحرة الكاشفة لما يحمله النهار من أسرار”
لم تكن القهوة في حياتي مشروب؛ بل كانت نكهة لأيامي، مكوناتها لم تُدون في قائمة المشروبات؛ بل في مسببات السعادة، فهي عبارة عن القليل من اللبن كامل الدسم خالي سوداوية الحياة، ملعقتان من البن فاتح اللون يكشف الأمل ليجذب الروح إلى البقاء، نُخفض عليها لهيب النارِ لتصل إلى قمة نضجها فتذوب حبيبات السكر كما يذوب الهم من روحي، فاتنة هي تتصاعد منها رائحة العشق الممتزجة بنغمات الحنين، كـ موسيقي عمر خيرت التي تذوب معها نبضات القلب، عطرٌ هي لا مثيل له عندما تبدأ الشمس في نسيج ضوئها، لا تُصب في الكوب كأي شيء؛ إنما برقة البلابل، وعذوبة البنفسج، فتصنع من الفنجان الذهبي زهرة تيوليب رائعة، فهو فنجان صنع بالحب له طعم الأمل، ورائحة الحنان، لها موسيقى ساحرة عندما يمتزج مع قطعة من الشيكولاتة الداكنة، كمن يمزج موسيقى الجيتار مع الإكسيليفون يصنع سيمفونية بيده لذاته نابعة من القلب، فـ كيف لي الابتعاد عن ذاك الهواء النقي الذي أتنفسه مع كل رشفة من فنجاني، إنها حقًا سر السعادة، سر التحمل لما يحمله العالم من مساوئ، فليقولوا عنها ما يشاءون فهي إن لم تكن عكس الحياة، فهي مرآة ذاتي.

قد يعجبك ايضا
تعليقات