القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

لله على الناس حج البيت الجزء السادس عشر

54

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء السادس عشر مع لله على الناس حج البيت، وإن للحج حكما عالية، ومقاصد نافعة، ففيه يتعارف المسلمون، ويَجتمعون فيه على اختلاف شعوبهم وطبقاتهم وأوطانهم وألسنتهم وألوانهم، يلتقي المسلم بإخوانه المسلمين، فتلتقي القلوب، وتزداد المحبة والمودة والائتلاف، وفي الحج تذكير بالدار الآخرة حيث يصور الحج ذلك تصويرا عجيبا، فالميت يتنقل من دار الدنيا إلى دار الآخرة، والحاج ينتقل من بلاد إلى أخرى، والميت يُجرد من ثيابه، والحاج يتجرد من المخيط، والميت يغسل بعد تجريده، والحاج يغتسل عند ميقاته، والميت يُكفن في ثياب بيضاء، وكذا الحاج يلبس إزارا ورداء أبيضين نظيفين، والأموات يحشرون سواء، وكذا الحجاج يقفون سواء كذلك، وهذا غيض من فيض من حكم الحج ومقاصده، فالحج عبادة عظيمة.

والحج به يحصل للعباد أيضا منافع في دينهم بأنواعه وفروعه وكذلك في دنياهم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ماء زمزم لما شرب له، إن شربته تستشفى شفاك الله، وإن شربته لشبعك أشبعك الله، وإن شربته لقطع ظمأك قطعه الله، وإن شربته مستعيذا أعاذك الله” قال وكان ابن عباس رضي الله عنهما إذا شرب ماء زمزم قال اللهم إني أسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء” رواه الحاكم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” العمرة إلى العُمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة” متفق عليه، وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال فقبضت يدى، قال ” ما لك يا عمرو؟”

قال قلت أردت أن أشترط، قال ” تشترط بماذا؟” قلت أن يُغفر لي، قال “أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله؟” رواه مسلم، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول ما أراد هؤلاء؟” رواه مسلم، وعن أبي هريرة، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “مَن أتى هذا البيت، فلم يرفث ولم يفسق، رجع كما ولدته أمه” متفق عليه، ويقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين فى سورة الحج ” وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق” وجاء في تفسير الطبرى أن إبراهيم عليه السلام وقف على الحجر.

حين أمر الله سبحانه وتعالى أن يؤذن في الناس بالحج، ونادى أيها الناس إن الله قد كتب عليكم الحج، فحجّوا بيته العتيق، ومن لدن الخليل إبراهيم عليه السلام إلى يومنا هذا على مدى العصور المتتالية يهرع الناس إلى الكعبة، إلى بيت الله الحرام، إلى مكة المكرمة مُلبّين مُهللين، يدفعهم الحنين والإيمان، والرجاء في ثواب الله تعالى، والخوف من بطشه وجبروته، والدموع الخاشعة الراجية تنهمر من عيونهم، وألسنتهم تصدح في صدق وإخلاص وإنابة، لبيك أللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، فإن الحج عبادة عظيمة في الإسلام جمعت بين التحرك الجسدي والإنفاق المالي والعبق الروحاني، واللذة الإيمانية العجيبة، التي يتذوقها من يُرزق الحج المبرور والجزاء الموفور والذنب المغفور، فيبدأ الحجيج رحلتهم.

وقد تجردوا من كل زخارف الدنيا وزينتها حتى من المخيط من الملابس، كما تحرروا من همومها ومشاغلها، ومن سجن الأهواء والشهوات، وتركوا وراءهم جميع المصالح والأغراض، وانطلقوا من الغفلة والإهمال والصراع على الجاه والمال إلى عالم كله حرية وعبودية وتذلل وانحناء وخضوع، ولا مال فيه ولا جاه يشغلهم عن التفرغ للخالق البارئ والإله الصمد الذى يرجون مغفرته ورضوانَه، يسألونه أن يقبل توبتهم ويمحو حوبتهم، ويغمرهم بفيض حبه ورحماته، ويحدوهم حبهم لربهم الغفور الشكور، الحب الذى يفيض من جميع جوارحهم ومشاعرهم وكل كيانهم، وهم يستحضرون عبق التاريخ وذكريات الأمس القريب والبعيد، وهم يشاهدون على الأرض المقدسة عن كثب المشاهد والمشاعر كلها، فيتوجه الحجيج إلى بيت الله الحرام وهم مُحرمون.

قد يعجبك ايضا
تعليقات