القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

لله على الناس حج البيت ” الجزء السابع عشر”

82

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء السابع عشر مع لله على الناس حج البيت، فيتوجه الحجيج إلى بيت الله الحرام وهم مُحرمون، قد تجردوا من أزياء الدنيا التي أَلفوها وتعودوها، فيتذكرون يوم المحشر، يوم موقفهم أمام ربهم، حين يكونون في موقف رهيب قد تخلوا عن المناصب التي كانوا يعتلونها في الدنيا والمواقع التي كانت تعزهم في الحياة، فلا يوجد خدم لديهم ولا أعوان، ولا يُصنفهم الفقر والغنى، أو البياض والسواد، أو العروبة والعجمة، وليس بينهم اليوم رفث ولا فسوق، ولا جدال ولا سباب، ولا خصومة ولا صخب، ولا تبادل اتهامات، ولا تحاسد ولا تباغض، ولا عناية بالأجسام والأبدان، بل الاهتمام مُركز على القلوب وأفعالها، والنيات وإخلاصها، والأرواح وتزكيها، والكل منيبون إلى ربهم الغفور، وأبصارهم شاخصة، وأكفهم مرتفعة.

وأرواحهم تسمو إلى السماء وهم منهمكون في التضرع والابتهال والدعاء الذى ينبع من أعماق قلوبهم، وإذا كان الإسلام دين الله المرضي وحده من عنده لعباده، فقال الله تعالى فى سورة آل عمران ” ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين” فالحج بجميع عباداته يُعزز قيم الجماعية ويعمل لتوحيد المسلمين وإنجاز التكافل والتراحم والانسجام والتواد بينهم، ويؤكد على قيم الحب والمواساة والأمن والسلام لهم ولغيرهم ممن حولهم، فإن الحج بجميع أركانه ومناسكه يُجسد ذلك كله في أجلى معانيه وأسمى دلالاته وأبرع إشاراته، فحين تجتمع جموع الحجيج في موسم الحج العام وهم قد تحرروا من جميع القيود والمظاهر الدنيوية المألوفة، تتلاقى فيه على كلمة التوحيد، فتعلن ولاءها لربها الصمد.

وحين تفعل ذلك تعلن إعلانا صارخا أن الأمة الإسلامية أمة متماسكة، يأخذ بعضها بحجز بعض، إذا اشتكى منها عضو تداعى له الكل بالسهر والحمى، فلو طبقت إعلانها هذا في واقع العمل، لفرّت كل خفافيش الظلام، ولأنهارت أمامها كل قوى الأرض بكل أسلحتها وعتادها، وكل مؤامراتها ومخططاتها ولكنها في واقع السلوك ربما لاتنزل على مستوى الشعور بالمسؤولية كما يجب أن تنزل، ويأتي دور الحجيج ليطوفوا بالبيت العتيق ليؤكدوا أنهم إنما يتمسكون بالإسلام دينا، وبالله ربا، وبدين الله الأخير منهجا وسلوكا وأنهم يدورون حول الله الواحد الأحد الصمد، حيث إن الطواف بالبيت إنما هو صورة من صور التسبيح، وشكل من أشكال الخضوع لله الواحد الأحد، ثم إن الطائف بالبيت العتيق يؤمن مجددا أنه يتمسك بالحرية.

ويتحرر من عبودية جميع الطواغيت والجبابرة، لأنه كما قال ابن الزبير رضي الله عنه سُمّي بالعتيق لأنه تعالى أعتقه من الجبابرة، فالطائف بالبيت يصحح عزمه على أنه لن يخضع لأحد إلا لله وحده، ولا يخضع لسلطان قوة على وجه الأرض، ويظل يحاول جهده أن يقاوم جميع صور الاستعمار والاستعباد والاحتلال لأرض الإسلام وأمة الإسلام لأنه ليس بوسعه، أن يحتمل العبودية لأحد والاستعباد من أحد إلا لله الواحد القهار، فإن الحج بجميع مناسكه وشعائره تحرير واقعى للإنسان المسلم من أشكال الاستعباد والاستلاب، والأنانية والدكتاتورية، والفردية والنرجسية، وجميع الحركات الباطلة والدعوات المضللة، والفلسفات المادية التي صنفت الناس بين العبيد والسادة، وحوّلت البعض آلهة من دون الله يفرضون على من يشاؤون.

من صور الذل والهوان، والفقر والهامشيّة، والشقاء والحرمان ما الله به عليم، وإن الحاج الحق العائد من الطواف بالبيت العتيق لن يقرّ بتأليه القوى الجبارة التي أَوغلت في بلاد الإسلام والمسلمين، وعاثت فيها فسادا وإفسادا، وإن مشاهد الحج كلها تؤكد معاني أن القوة لله، وأن العزة لله، وأن الأرض لله، وذلك حين ترتفع أصوات الحجيج كلهم بالتلبية والتسبيح والذكر، وتتردد في الفضاء وتدوى في أسماع الكون أنه لا إله إلا الله لاشريك له والملك لله دونما شرك فالله هو المصدر والمرجع، وكل خير ونعمة منه وإليه، وأن الإنسان هو القيمة النهائية في الوجود حيث أعلن الله عز وجل فى سورة الحجرات ” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير”

قد يعجبك ايضا
تعليقات