القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

الماسونيةُ تحكمُ العالمَ

96

الحلقةُ الثالثةُ.
كتب/ حمادة توفيق
مع مطلعِ القرنِ العشرينِ زادَ التعاطفُ الأمريكيُّ الشعبيُّ مع يهودِ الشتاتِ لتكوينِ دولةٍ لهم على أرضِ فلسطينَ، حتى أن جموعَ الشعبِ الأمريكيِّ رحبوا بقيامِ دولةٍ يهوديةٍ في صلاتهم وتوسلاتهم، كانوا ينظرونَ إلى اليهودِ على أنهم شعبٌ كادحٌ مضطهدٌ محبٌ للسلامِ، وأنهم مثلُ الشتاتِ الأوروبيِّ الذي جاءَ ليسكنَ القارةَ الأمريكيةَ الجديدةَ، ويطردَ سكانها الأصليينَ من الهنودِ الحمرِ المتخلفينَ حضاريًا، فاليهودُ مثلهم، والشعبُ العربيُّ الفلسطينيُّ مثل الهنودِ الحمرِ، والأراضي الفلسطينيةُ مثل أراضي القارةِ الأمريكيةِ المكتشفةِ.
لقد مهدت كتابات المفكرين اليهود لهذا الفهم الخاطئ، حتى أن الشعب الأمريكي تعرف على اليهود من خلال ما كتبه اليهود عن أنفسهم، فلقد كانت الصورةُ المثاليةُ البراقةُ غنيةً مشبعةً لشعبٍ يحبُّ الطعامَ الدسمَ والإعلاناتِ والأفلامَ الخياليةَ، لقد صوروا اليهودَ الأوائلَ على أنهم أبطالٌ تفانوا من أجلِ قيامِ إسرائيلَ، الدولةِ التي تؤمنُ بالعدالةِ الاجتماعيةِ بجميعِ مواطنيها العربِ واليهودِ!
لقد انقلب العداءُ القديمُ لليهودِ في أمريكا إلى محبةٍ وتعاطفٍ وتصالحٍ وحلفٍ مقدسٍ، وبالذات في الولايات الجنوبية التي نشأت فيها المسيحية الصهيونية من البروتستانت، فهم على قناعة بأنهم كبروتستانت أنجلوساكسون بيض البشرة أفضل من السود والهنود والكاثوليك والهندوس والمسلمين.
أدرك الهيود الأمريكان أهمية الجنوبيين الأمريكيين، فقد كان اليهود الليبراليون الأمريكيون يعيشون في المدن الشمالية الأمريكية، ولهم روابط وثيقة مع العمال الأمريكيين، ولم يهتموا بالأصوليبن الإنجيليين الجنوبيين، إلا أنهم حين أدركوا الحقيقة وأن أوراق اللعب كانت كلها في الجنوب توجهت أنظارهم إليه، وبعد أن أصبح اليهودي مضطهدًا في أمريكا أصبح الصديق الوحيد لها.
ورغم أن الجنوب الأمريكي يمثل ثلث سكان الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن أكثر قادة الجيش من الجنوب، وأكثر القادة السياسيين ورؤساء الجمهورية منهم.
في خلال العام 1968 وحتى عام 1967 كانت هناك اجتماعاتٌ متسقةٌ ودائمةٌ بين القادةِ اليهودِ الأمريكانِ وقادةِ كلٍّ من مؤتمرِ الأساقفةِ الكاثوليكِ الأمريكيِّ، والذي يمثل 40 مليون مسيحي كاثوليكي، والمجلسِ الوطنيِّ للكنائسِ والذي يمثل 40 مليون مسيحي، ثم كانت كنائس البروتستانت الليبرالية التي تمثل الكنائس المسيحية والأسقفية وكنائس الطريقة المتحدة (ميثودست)، كانت الأولى التي شملت كتبها الدينية منذ الأربعينيات من القرن العشرين دراساتٍ حول اللاسامية، وهم الذين وافقوا بإيعازٍ من اليهودِ على فصل الكنيسة عن الدولة.
وسيطر اليهود الأمريكيون أو ما يُسمى باللوبي الصهيوني على وسائل الإعلام المرئية، ونشأ التحالف مع الأصوليين الإنجيليين المتطرفين أمثال جيري فويويل وجيمس سواجارت وروبرتسون بعد أن فشل تحالف الليبراليين المسيحيين الذين تخلوا عنهم وعلى رأسهم المجلس الوطني للكنائس.
ذكر الحاخام رابي مارك تانينهوم هذا التغيير قائلًا: « منذ حرب 1967 شعرت المجموعة اليهودية أن البروتستانت تخلوا عنها، كما شعرت أنه تخلى عنها أيضًا جماعات متحلقة حول المجلس الوطني للكنائس، والذي بسبب تعاطفه مع قضايا العالم الثالث، أعطى الانطباع بأنه يدعم منظمة التحرير الفلسطيينة، عند حدوثِ فراغٍ في دعم الرأي العام لإسرائيل يبادر المسيحيون والأصوليون الإنجيليون إلى مثله».
وقد نفى أعضاءُ المجلسِ الوطنيِّ للكنائسِ هذه الاتهاماتِ، فقال د تراس جونز: « إن المجلس في سياساته و مواقفه الحقيقة بقي بقرارٍ منه مواليًا لإسرائيل ».
وقال د ماريا: « إن المجلس لم يتخلَّ عن الحاخام تونينهام وعن غيره من مؤيدي إسرائيل، غير أن إسرائيلَ ومؤيديها في هذه البلاد قرروا أن باستطاعتهم الحصولَ على مساعدةٍ أخرى من الإنجيليينَ الأصوليينَ معتقدينَ أنها ستكونُ ذاتَ قيمةٍ أكثرَ ».
وأضاف دكتور ماريا مفسرًا هذا التحول اليهودي نحو الإنجيليين الجدد: « كل شيء تغير بعد حرب 1967م، أصبح الأمريكيون ينظرون بصورة عامة إلى إسرائيل نظرةً مختلفةً، حتى عام 1967 كانوا يرون في إسرائيل “داود الصغير” تستهدفه قوىً عربيةٌ متفوقةٌ عليه، وفجأة هاجم الإسرائليون جيرانهم، ضربوا الطيران المصري على حين غرة ودمروه على الأرض، بهجومٍ مماثلٍ لهجوم “بيرل هاربور”، ودخل الإسرائيليون إلى سيناء، وسيطرووا على الضفة الغربية والقدس العربية، وكل قطاع غزة ومرتفعات الجولان ».
وقد دعا د. ماريا في عام 1967م بعد حرب الأيام الستة قادةً مسيحيينَ أمريكيينَ آخرينَ إلى مؤتمرٍ عقده في بوسطن، ووجهوا نداءً إلى الرئيس جونسون ليأمر إسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها في يونيو 1967، وبالطبع لم يستجب جونسون لمثل هذه النداءات، وعلق د. ماريا على ذلك بقوله: « إن الانسحاب لم يحدث ولكننا على الأقل استطعنا أن نجعل بعض الأمريكيين يدرك أن هناك ظلمًا تؤيده حكومتنا ».
وحين طلب أحد القادة الإسرائيليين من الرئيس جونسون الاعتراف بما أخذته إسرائيل في حرب 1967، واعتبارها جزءً من إسرائيل قال له: « إنك تسألني الاعترافَ بحدودك، إنك لم تحدد حدودَ إسرائيلَ أبدًا ».
ولقد واجهت إسرائيل بعد حرب 1967م، خيارين أولهما العيش في سلام مع جيرانها بعد انسحابها من الأراضي التي احتلتها عام 1967، والثاني أن تواصل اعتمادها على القوة العسكرية، وقد اختارت إسرائيل الخيار الثاني، وواصلوا التضخم العسكري.
ففي عام 1967م دعا المجلس اللوبي للكنائس إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، وافتتح المجلسُ مكاتبَ له في واشنطن، وتحدث أعضاؤه مع أعضاء مجلس الشيوخ وممثلين من قضايا الشرق الأوسط، وأدلوا بشهادتهم أمام لجان الكونجرس حول ظروف الفلسطينيين في الضفة وغزة، وأرسل المجلس وفدًا إلى الضفة الغربية لدراسة اتهامات الكنيسة الأثقفية بشأن انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان هناك، وأصدرَ المجلسُ بيانًا عام 1980 انتقد فيه سياسات الاحتلال الإسرائيلي، وأيدَ إقامةَ دولةِ فلسطينَ منفصلةٍ في الضفةِ الغربيةِ وغزةَ.
ومع هذا التغير الطفيف في الموقف القديم المؤيد لإسرائيل لم يستغل العرب كعادتهم هذه المواقف لصالحهم، فهم لا يقرؤون ولا يسمعون، وينتظرون من يأتيهم بحلول وهم جالسون، وكان من الواجب علينا أن ننمي هذا الاهتمام من قلة قليلة لأكثرية مسيحية ليبرالية أمريكية ظهرت بعد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية عام 1967، ونتيجة عدم اهتمامنا ظلت الأغلبية الليبرالية المسيحية في أمريكا مؤيدة للاحتلال الإسرائيلي والكيان الصهيوني المحتل لأرضِ فلسطين.
وما أشبه اليوم بالبارحة، فالعرب اليوم مشغولون بهمومهم الشخصية والفردية، ولا يفلحون إلا في الهتاف مع المقاومة الفلسطينية إذا انتصرت في الصمود أمام العدوان الإسرائيلي المتواصل على الضفة وغزة وهاجمته نِدًا بِندٍّ، أما أن يتحدوا ويتماسكوا ويتخذوا موقفًا إيجابيًا فعالًا لردع الكيان الصهيوني المحتل فلا، وما حدث أثناء العدوان الأخير على غزة هذا العام خير دليل على ذلك وإلى الله المشتكى.
#يُتبع

قد يعجبك ايضا
تعليقات