القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

داهية العرب ” الجزء أربعة وعشرون

91

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء أربعة وعشرون عشر مع داهية العرب، وقد توقفنا عندما أرسل الخليفه عمر بن الخطاب، إلى عمرو بن العاص يعظه ويستعجله وينبهه على أن النصر لن يكون حليف المسلمين إلا لو أخلصوا النية، وطلب منه أن يخطب في الناس ويحضهم على قتال عدوهم، ويرغبهم في الصبر والنية، وأن يدعوا المسلمين الله ويسألوه النصر، وقد شكل كتاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه، عامل كبير دفع للمسلمين فاقتحموا حصون الإسكندرية ففتحوها بحد السيف في الثامن والعشرين من شهر ذو القعده من سنة عشرين للهجرة، وكان ذلك بعد حصار دام أربعة أشهر ونصف، وقد فر البيزنطيون منها بكل اتجاه للنجاة بأنفسهم، وأذعن سكانها من المصريين، واستبقى عمرو أهلها ولم يقتل ولم يسب وجعلهم ذمة كأهل حصن بابليون. 

 

وقيل أن الفتح كان عنوة، وقيل أنه كان صلحا، ولكن مما لا خلاف فيه أن دخولها تحت سلطان دولة الخلافة الراشدة كان في الأول من شهر محرم فى العام الواحد والعشرين للهجرة، وبعد تمام فتح مصر، كتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى واليه عمرو بن العاص يسأله عن أوضاع البلاد طالبا منه أن يصفها إليه، فكتب عمرو بن العاص رسالة إليه يشرح أحوال مصر ووصفها، وأصبح عمرو بن العاص والي مصر المعين من قبل الخليفة عمر بن الخطاب، وبدأ عمرو بالقيام بالإصلاحات والأعمال الإدارية، ولما رأى عمرو بن العاص منازل الإسكندرية أراد أن يتخذها مقرا له، وقال ” منازل قد كفيناها ” فكتب إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في ذلك فسأل الخليفه عمر بن الخطاب، الرسول الذى جاء برسالة عمرو بن العاص ” هل يحول بيني وبين المسلمين ماء؟ 

 

قال نعم يا أمير المؤمنين إذا جرى النيل، فكتب إلى عمرو بن العاص إني لا أحب أن تنزل بالمسلمين منزلا يحول الماء بيني وبينهم في شتاء ولا صيف، فلا تجعلوا بيني وبينكم ماء، متى أردت أن أركب إليكم راحلتي حتى أقدم عليكم قدمت ” وكان عمرو قد أقام فسطاطه في أرض فضاء ومزارع بين حصن بابليون وجبل المقطم أثناء حصار الحصن، فلما فتح الحصن وقرر الزحف نحو الإسكندرية أمر بنزع هذا الفسطاط، فإذا بيمامة قد باضت في أعلاه، فتركها حتى تكبر فراخها وتطير، فلما عاد من الإسكندرية بعد فتحها أمر جنوده أن ينزلوا عند الفسطاط وأن يختطوا دورهم فيها، فسمت تلك البقعة بالفسطاط، وقد ولى عمرو بن العاص على تخطيط الفسطاط أربعة من المسلمين، فاختطوا لكل قبيلة خطة. 

 

وكان أول من ابتنى غرفة فى الفسطاط هو خارجة بن حذافة، ثم اتسعت المدينة، وقد نزل فيها المصريون أيضا، وهكذا أسس عمرو بن العاص مدينة جديدة للمسلمين في العام واحد وعشرين للهجرة، وكما بنى فيها أول جامعٍ في مصر عرف باسم جامع عمرو بن العاص، وسمي أيضا جامع الفتح أو الجامع العتيق، ويروي ابن دقماق أن عمرو بن العاص طلب من قبيسة بن كلثوم التجيبي أن يجعل منزله مسجدا، فأجابه إلى طلبه وتصدق به على المسلمين، ومن ثم شرع عمرو في بنائه، فكان طوله خمسين ذراعا وعرضه ثلاثين، وكان الجامع في مبدأ أمره أصغر بكثير مما هو عليه الآن، ويقال إنه وقف على إقامة قبلته ثمانون من الصحابة منهم الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت، ولم يكن للمسجد محراب مجوف. 

 

وكان أول من بنى المحراب هو قرة بن شريك العبسي، وكان له بابان مقابلان دار عمرو بن العاص، وبابان شمالية وبابان غربية، وكان طوله من القبلة إلى الغرب مثل طول دار عمرو، وسقفه منخفضا جدا ولا صحن له، وكانوا يصلون بفنائه، وكان بينه وبين دار عمرو سبعة أذرع، وكان الطريق محيطا به من جميع جوانبه، وقد أجرى عمرو بن العاص العديد من الإصلاحات المتعلقة بنهر النيل والزراعة والفلاحين، فخفف عن المصريين كثيرا من الضرائب التي فرضها البيزنطيون، واعتنى بهندسة الري، من حفر الخلجان وإصلاح الجسور، وسد الترع، وبناء مقاييس للنيل، وإنشاء الأحواض والقناطر، ولعل من أشهر ما قام به عمرو، هو حفر قناة سيزوستريس، التي تصل النيل بالبحر الأحمر، وتسهل الاتصال بشبه الجزيرة العربية.

قد يعجبك ايضا
تعليقات