القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

خامس الخلفاء الراشدين ” الجزء الثانى والعشرون”

109

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثانى والعشرون مع خامس الخلفاء الراشدين، وقد توقفنا عندما، قال ميخائيل السرياني في صدد عمر بن عبد العزيز منذ توليه الحكم، أخذ عمر يسيء إلى المسيحيين لسببين، أولا رغبة في تعظيم الشريعة الإسلامية، وثانيا لفشل المسلمين في احتلال القسطنطينية، وكان يشدد الخناق على المسيحيين ليكرههم على اعتناق الإسلام، فأصدر قرارا يقضي بإعفاء من الجزية كل مسيحي يعتنق الإسلام، فأسلم الكثيرون، كما قرر عدم قبول شهادة المسيحي على المسلم وعدم تولية مسيحي في أي مجال، كما منع المسيحيين من رفع أصواتهم في الصلاة، ومن لبس الأخضر وركوب حصان مسرّج، وإذا قتل مسلم مسيحيا لا يُحكم بالقتل بل بدفع ديته خمسة آلاف درهم.

ومنع تقدمة النذور للأديرة والرهبنات، لا بل صادر قسما من أملاك الكنائس والأديرة والفقراء، إلا أن بعض الروايات عن النصارى الذين عاصروا عمر بن عبد العزيز تتناقض مع ذلك، فقد روي عن الأوزاعي أنه قال شهدت جنازة عمر بن عبد العزيز، ثم خرجت أريد مدينة قنسرين، فمررت على راهب فقال يا هذا، أحسبك شهدت وفاة هذا الرجل، أي عمر بن عبد العزيز، فقلت له نعم، فأرخى عينيه فبكى سجاما، فقلت له ما يبكيك ولست من أهل دينه؟ فقال إني لست أبكي عليه، ولكن أبكي على نور كان في الأرض فطفئ، ويُروى أن عمر بن عبد العزيز، قد بعث وفدا إلى ملك الروم في أمر من مصالح المسلمين، وحق يدعوه إليه، فلما دخلوا إذا ترجمان يفسر عليه وهو جالس على سرير ملكه.

والتاج على رأسه والبطارقة على يمينه وشماله، والناس على مراتبهم بين يديه، فأدى إليه ما قصدوه له، فتلقاهم بجميل وأجابهم بأحسن الجواب، وانصرفوا عنه في ذلك اليوم، فلما كان في غداة غد أتاهم رسوله، فدخلوا عليه، فإذا هو قد نزل عن سريره ووضع التاج عن رأسه، وقد تغيرت صفاته التي شاهدوه عليها، كأنه في مصيبة، فقال هل تدرون لماذا دعوتكم؟ قالوا لا، قال إن صاحب مصلحتي التي تلي العرب جاء في كتابه في هذا الوقت أن ملك العرب الرجل الصالح قد مات، فما ملكوا أنفسهم أن بكوا، فقال ألكم تبكون أو لدينكم أو له؟ قالوا نبكي لأنفسنا ولديننا وله، قال لا تبكوا له، وابكوا لأنفسكم ما بدا لكم، فإنه خرج إلى خير مما خلف، وقد كان يخاف أن يدع طاعة الله.

فلم يكن الله ليجمع عليه مخافة الدنيا ومخافته، لقد بلغني من بره وفضله وصدقه ما لو كان أحد بعد عيسى يحيي الموتى لظننت أنه يحيي الموتى، ولقد كانت تأتيني أخباره باطنا وظاهرا فلا أجد أمره مع ربه إلا واحدا، بل باطنه أشد حين خلوته بطاعة مولاه، ولم أعجب لهذا الراهب الذي ترك الدنيا وعبد ربه على رأس صومعته، ولكني عجبت من هذا الذي صارت الدنيا تحت قدمه فزهد فيها حتى صار مثل الراهب، إن أهل الخير لا يبقون مع أهل الشر إلا قليلا، وهذا عمر بن عبد العزيز، الذى لما أفضت الخلافة إليه وفدت إليه الشعراء كما كانت تفد على الخلفاء من قبله، فأقاموا ببابه أياما لا يؤذن لهم في الدخول حتى قدم عدي بن أرطأة عليه وكان منه بمكانة فتعرض له جرير.

وهو جرير بن الخطفي، ويقال ابن عطية بن الخطفي، واسم الخطفي، هو حذيفة بن بدر بن سلمة عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مر بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار، أبو حرزة الشاعر البصرى، وقد قدم دمشق مرارا، وامتدح يزيد بن معاوية والخلفاء من بعده، ووفد على عمر بن عبد العزيز، وكان في عصره من الشعراء الذين يقارنونه الفرزدق والأخطل، وكان جرير أشعرهم وأخيرهم، فلما دخل عدى بن أرطأه على عمر بن عبد العزيز، قال يا أمير المؤمنين الشعراء ببابك، وألسنتهم مسمومة، وسهامهم صائبة، فقال عمر ما لي وللشعراء، فقال يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مدح فأعطى، وفيه أسوة لكل مسلم، قال صدقت، فمن بالباب منهم؟

قد يعجبك ايضا
تعليقات