القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

الصدق وسيلة إلى الرضا” الجزء التاسع”

82

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء التاسع مع الصدق وسيلة إلى الرضا، ألا فلنعد إلى ما كان عليه سلفنا الصالح من صدق في المعاملات والبيع والشراء، حتى نكون قدوة لغيرنا ودعوة للآخرين إلى الدخول في هذا الدين الحنيف، إننا إن فعلنا ذلك فزنا في الدنيا بالسعادة والثقة والطمأنينة والتراحم فيما بيننا وفي الآخرة بالجنة والمغفرة والثواب العظيم، وهكذا فإن الصدق أشرف الفضائل النفسية، والمزايا الخُلقية لخصائصه الجليلة، وآثاره الهامة في حياة الفرد والمجتمع فهو زينة الحديث، ورمز الاستقامة والصلاح، وسبب النجاح والنجاة، والصدق هو الطريق الأقوم, الذي به تميز أهل الإيمان عن أهل النفاق، وسكان الجنان من سكان النيران وهو سيف الله في أرضه الذي ما وُضع على شيء إلا قطعه، ولا واجه باطلا إلا أزاله وصرعه، وهو روح الأعمال ولبها، ومن أجل ذلك أرشدنا ربنا سبحانه وتعالى إلى التمسك بهذا الخلق الطيب في كتابه الكريم، وحث على التزام الصدق رسوله العظيم صلوات الله عليه وسلامه. 

 

في نصوص أكثر من أن تعد في القرآن والسنة، فقد أمر ربنا في كتابه الكريم في أكثر من آية بالصدق، ومدح الصادقين، ووعدهم بالخير الكبير في الدنيا والآخرة لذلك مجدته الشريعة الإسلامية، وحرضت عليه، قرآنا وسنة، فالصدق خلق عظيم من أخلاق الأنبياء, ومن أهم أخلاق المسلم وصفات الداعية إلى الله تعالى, وهو الأساس الذي قام عليه هذا الدين العظيم, وهو ما عرف به صلى الله عليه وسلم في مكة, فما كان يُعرف حينئذ إلا بالصادق الأمين, وهو أيضا ما يُعرف به الأنبياء والمرسلون عليهم السلام, وقد أثنى الله تعالى على أنبيائه ووصفهم جميعا بالصدق، وإن الصدق يؤدي إلى الثقة والطمأنينة, والكذب يؤدي إلى الشك والريبة، وإن أعلى مراتب الصدق مرتبة الصديقية، وهي كمال الانقياد للرسول صلى الله عليه وسلم مع كمال الإخلاص للمرسل وإن الصديقية مرتبة عالية من مراتب الولاية والقرب من الله سبحانه وتعالى, والصديق كثير الصدق، الذى لم يصدر منه الكذب أصلا.

 

الذي صدق بقوله واعتقاده وأعماله، والصديقون قوم دون الأنبياء في الفضيلة ودرجتهم تلي درجة النبيين، ورسول الإسلام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، كان يلقّب بالصادق الأمين في مكة كما هو معروف ومشهور، وصاحبه ورفيقه وأول خلفاءه على المسلمين من بعده هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه وإن الصدق هو مطابقة القول للواقع، وهو الوفاء لله بالعمل، والقول بالحق في مواطن الهلكة، ويطلق الصدق على معان كثيرة منها الصدق في القول، فلا يتكلم إلا بالصدق، والصدق باللسان أشهر أنواع الصدق وأظهرها، وينبغي للعبد أن يراعي معنى الصدق في ألفاظه التي يناجي بها ربه، فإن كان قلبه منصرفا عن الله، مشغولا بالدنيا، فهو كاذب، ومنها الصدق في النية والإرادة، وذلك يرجع إلى الإخلاص، فإن فقد ذلك بطل صدق النية، ومنها الصدق في العزم والوفاء به كأن يقول إن آتاني الله مالا تصدقت به ونحوه، ومنها الصدق في الأعمال، وهو أن تستوي سريرته وعلانيته في جميع أعماله.

 

ومنها الصدق في مقامات الدين كالصدق في الخوف والرجاء، والزهد والحب، والتوكل على الله ونحو ذلك، وكل من عامل الله بالصدق استأنس به، واستوحش من الخلق، ومن علامات الصدق هو كتمان الطاعات والمصائب جميعا, وكراهة اطلاع الخلق على ذلك، ومقام الصديقين مقام رفيع، ومع علو هذا المقام فهو بفضل الله ميسور لمن أراده، وليس وقفا على أفراد، ولا على طائفة، فكل من يحقق إيمانه بالله ورسله فله حظ في هذا المقام الرفيع ولا ريب أن الصدق خصلة محمودة، وسجية مرغوبة، تألفها الفطر السوية، وتدعو إليها الشرائع السماوية, فهو فضيلة قلما تتوفر في إنسان إلا ورفعته إلى أوج السعادة النفسية, وذروة الكمال الذاتي, ومنتهى مراقي الإنسانية، وأن الناس جبلوا على الاقتداء والتأسي، فإذا رأوا شخصا تقيا ورعا صادقا انتهجوا مناهجه واقتفوا أثره، وإن الصادق مطلوبه رضا ربه، وتنفيذ أوامره، وتتبع محابه، فهو متقلب فيها يسير معها حيث سارت، فبينما هو في صلاة، إذ رأيته في ذكر. 

 

ثم في غزو، ثم في حج، ثم في إحسان إلى الخلق، ثم في أمر بالمعروف، ثم في نهي عن منكر، أو في عيادة مريض، أو تشييع جنازة أو نصر مظلوم, أو غير ذلك من القرب والطاعات وأعمال البر المختلفة، وإن الصدق سجية كريمة تدل على سلامة الفطرة للمتصف بها، وثقته بنفسه وبُعده عن التكلف والتصنع، وقد اعتبر الإسلام الصدق أساس كل الخير وأن الإسلام يؤكد على الصدق أكبر تأكيد ويحث الناس على ملازمته ولو كان مظنة لإضرار يسير، وأقل الصدق هو استواء السر والعلانية والصادق من صدق في اقواله والصدّيق من صدق في جميع اقواله وأفعاله وأحواله، وإن من درجات الصدق أن لا يتمنى الحياة إلا للحق، ولا يشهد من نفسه إلا أثر النقصان، ولا يلتفت إلى ترفيه الرخص، فهو لا يحب أن يعيش إلا ليشبع من رضا محبوبه، ويقوم بعبوديته لا لعلة من علل الدنيا وشهواتها ولا يرى نفسه إلا مقصرا قليل الزاد، ومن درجات الصدق أيضا هو الصدق في معرفة الصدق.

قد يعجبك ايضا
تعليقات