القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

الصدق وسيلة إلى الرضا الجزء العاشر

112

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء العاشر مع الصدق وسيلة إلى الرضا، وإن العبد إذا صدق الله رضي الله بعمله وحاله ويقينه لأنه قد رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، فرضي الله به عبدا، ورضي بأقواله وأعماله القائمة على الإخلاص والمتابعة، وفي الصدق طمأنينة، ومنجاة في الدنيا والآخرة، فتحروا الصدق وإن رأيتم أن فيه الهلكة، فإن فيه النجاة، فعليكم بالصدق في كل مجالات الحياة، واعلموا أن للصدق مآثر رفيعة ومناقب جليلة، وأجورا عظيمة، وأن من ضرورات الحياة الاجتماعية، ومقوماتها الأصلية التي تقوم عليها شيوع التفاهم والتآزر بين عناصر المجتمع وأفراده، ليستطيعوا بذلك النهوض بأعباء الحياة، وتحقيق غاياتها وأهدافها، وذلك لا يتحقق إلا بالتفاهم الصحيح، وتبادل الثقة، وبديهي أن اللسان هو أداة التفاهم، ومنطلق المعاني والأفكار، والترجمان المفسر عما يدور في خلد الناس، فهو يلعب دورا خطيرا في حياة المجتمع، وتجاوب مشاعره وأفكاره وعلى صدقه أو كذبه ترتكز سعادة المجتمع أو شقاؤه.

فإن كان اللسان صادق اللهجة، أمينا في ترجمة خوالج النفس وأغراضها، أدى رسالة التفاهم والتواثق، وكان رائد خير، وإن كان متصفا بالخداع والتزوير، وخيانة الترجمة والإعراب، غدا رائد شر، ومدعاة تناكر وتباغض بين أفراد المجتمع، من أجل ذلك كان الصدق من ضرورات المجتمع وحاجاته الملحة، وكانت له آثاره وانعكاساته في حياة المجتمع, فهو نظام عقد المجتمع السعيد، ورمز خلقه الرفيع، ودليل استقامة أفراده ونبلهم، والباعث القوي على طيب السمعة، وحسن الثناء والتقدير، وكسب الثقة والائتمان من الناس، وكما له آثاره ومعطياته في توفير الوقت الثمين، وكسب الراحة الجسمية والنفسية، فإذا صدق المتبايعون في مبايعاتهم، ارتاحوا جميعا من عناء المماكسة، وضياع الوقت الثمين في نشدان الواقع، وإذا تواطأ أرباب الأعمال والوظائف على التزام الصدق، كان ذلك ضمانا لصيانة حقوق الناس، واستتاب أمنهم ورخائهم، وإذا تحلى كافة الناس بالصدق، أحرزوا منافعه الجمة، ومغانمه الجليلة.

وإذا شاع الكذب في المجتمع، وهت قيمه الأخلاقية، وساد التبرم والسخط بين أفراده، وعز فيه التفاهم والتعاون، وغدا عرضة للتبعثر والانهيار، وإن أعظم ما في الصدق أنه يقود صاحبه إلى الجنة، وهذا هو الفوز، فعن أبي أمامة، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا وببيت في أعلى الجنة لمن حسُن خلقه” رواه أبو داود فهذا هو الربح الأوفر لأهل الصدق، وأي ربح أعظم من الجنة، ومن ثمرات الصدق أنه يميز أهل النفاق من أهل الإيمان، وسكان الجنان من أهل النيران، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام “آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب” رواه البخارى فالبصدق تعلو منزلتك عند خالقك ويشرف قدرك عند خلقه، وبالصدق يصفو بالك ويطيب عيشك، ومن أجل ذلك كله كان الصدق من أهم المطالب في هذه الحياة، لذا فهو منجاة والطريق إليه صعب المنال.

فلا يطيقه إلا أهل العزائم ولا يصبر عليه إلا أصحاب الهمم، فاصدق مع الله تعالى ترى كل خير واستحضر ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “من سأل الله الشهادة بصدق، بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه” رواه مسلم، فانظر لما سأل الله وكان صادقا رفعه الله إلى رتبة الشهداء، واحذر الكذب مع الله تعالى فإذا كان الصدق مع الله تعالى بهذه المنزلة، فقد حذر الله عباده من ضد ذلك وبين سوء العاقبة لمن وقع فيه, فإن الكذب رأس الرذائل، فبالكذب يتصدع بناء المجتمع، ويختل نظامه، ويسقط صاحبه من العيون، وتدور حوله الظنون، فلا يصدقونه في قول، ولا يثقون به في عمل، ولا يحبون له مجلسا، أحاديثه منبوذة، وشهادته مردودة، فقال ابن حبان رحمه الله “الصدق يرفع المرء في الدارين، كما أن الكذب يهوي به في الحالين، ولو لم يكن الصدق تحمد إلا أن المرء إذا عرف به قبل كذبه، وصار صدقا عند من يسمعه لكان الواجب على العاقل أن يبلغ مجهوده في رياضة لسانه، حتى يستقيم له على الصدق ومجانبة الكذب”

فالحمد لله القائم على كل نفس بما كسبت، الرقيب على كل جارحة بما اجترحت، المطلع على ضمائر القلوب إذ هجست، الحسيب على خواطر عباده إذا اختلجت، الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات والأرض تحركت أو سكنت، المحاسب على النقير والقطمير والقليل والكثير من الأعمال وإن خفيت، المتفضل بقبول طاعات العباد وإن صغرت، المتطوّل بالعفو عن معاصيهم وإن كثرت، وإنما يحاسبهم لتعلم كل نفس ما أحضرت، وتنظر فيما قدمت وأخرت، وتعلم أنه لولا لزومها للإخلاص والصدق والمحاسبة في الدنيا شقيت في صعيد القيامة وهلكت، وبعد الإخلاص والصدق والمحاسبة لولا فضله بقبول بضاعتها المزجاة لخابت وخسرت، فسبحان من عمت نعمته كافة البلاد وشملت، واستغرقت رحمته الخلائق في الدنيا والآخرة وغمرت، فبنفحات فضله اتسعت القلوب للإيمان وانشرحت، وبيُمن توفيقه تقيدت الجوارح بالعبادات وتأدبت، وبنصرته انقطعت مكائد الشيطان واندفعت.

قد يعجبك ايضا
تعليقات