القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

الأعمال ما بين الصدق والباطل” الجزء الخامس”

101

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع الأعمال ما بين الصدق والباطل، وعن كعب بن عجرة قال ” قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعيذك بالله يا كعب بن عجرة من أمراء يكونون من بعدى، فمن غشي أبوابهم فصدقهم في كذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني ولست منه ولا يرد عليّ الحوض، إذن، تصديقه هذا حرام، ومن لم يغش أبوابهم ولم يصدّقهم في كذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم فهو منى وأنا منه وسيرد علي الحوض ” رواه أحمد والترمذى، والصدق نافع جدا في أشياء كثيرة فهو ينفع الداعية إلى الله تعالى، لأن الناس يتأثرون بالصادق ويرثر صدق الداعية في وجهه وصوته، وكان النبى صلى الله عليه وسلم، يتحدث إلى أناس لا يعرفونه فيقولون والله ما هو بوجه كذاب ولا صوت كذاب، ولا شك أن ظهور أثر الصدق في وجه الداعية وصوته يؤثر على المخاطب ويحمله على قبول القول واحترام ما يصدر من الداعية، إلا إذا كان أعمى القلب، ومهما يكن من أمر فإن الصدق ضرورى لكل مسلم، وكذلك من الأمور المهمة في التربية. 

 

هى تربية الأولاد على الصدق، فلابد أن يتربى المسلمون جميعا على الصدق، لكن من الأشياء المهمة تربية الأولاد على الصدق، فالإسلام يوصى أن تغرس فضيلة الصدق فى نفوس الأطفال حتى يشبوا عليها وقد ألفوها في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، وقد ورد عن عبد الله بن عامر قال “جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى بيتنا وأنا صبي صغير، فذهبت لألعب فقالت أمي يا عبد الله، تعال أعطيك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أردت أن تعطيه؟ قالت أردت أن أعطيه ثمرا، قال أما إنك لو لم تفعلى كتبت عليك كذبة ” رواه أحمد، فهذه الحركة التي تفعلها بعض الأمهات تقبض يدها وتقول للولد تعال أعطيك، لو كانت يدها فارغة فهي كاذبة، وتكتب عليها كذبة، فانظر كيف يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، الآباء والأمهات أن ينشئوا أولادهم نشأة يقدسون فيها الصدق، ويتنزهون عن الكذب، ولو تجاوز الآباء والأمهات عن هذه الأمور وقالوا هذه توافه وهينة، فإن الأطفال سيكبرون. 

 

وهم يعتبرون الكذب هينا وهو عند الله عظيم، أما الكذب فلا شك أنه جماع كل شر، والكذب هو أصل كل ذم وما ذاك إلا لسوء عواقبه وخبث نتائجه، وما شيء إذا فكرت فيه بأذهب للمروءة والجمال من الكذب الذي لا خير فيـه وأبعد بالبهاء عن الرجال، والنبى صلى الله عليه وسلم، كان يحارب الكذب محاربة شديدة، فعن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا اطلع على أحد من أهل بيته كذب كذبة لم يزل معرضا عنه حتى يحدث توبة” وهكذا فإن عقوبة الكذاب شديدة بعد الموت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فى الرؤيا الصادقة التي رآها، وأخبر عنها لما سأل الملكين فقالا أما الرجل الذى أتيت عليه يُشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، ثم ينتقل إلى الجانب الآخر ويعملون به مثل ذلك، فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق “رواه البخارى، فهذه عقوبته، وقال في رواية أخرى صلى الله عليه وسلم” رأيت الليلة رجلين أتياني قالا الذي رأيته يشق شدقه. 

 

فكذاب يكذب بالكذبة تحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به هكذا إلى يوم القيامة” رواه البخارى، والشق عذاب الكذاب فى البرزخ، لكن يوم الدين العذاب أشد وأنكى، وقال الحسن البصرى عن هذه النوعية “خرج عندنا رجل في البصرة فقال لأكذبن كذبة يتحدث بها الوليد، قال الرجل فما رجعت إلى منزلى حتى ظننت أنها حق لكثرة ما رأيت الناس يتحدثون بها” وهو الذى كذبها يقول ما رجعت إلى منزلي حتى ظننت أنها حق لكثرة ما رأيت الناس يتحدثون بها، فهؤلاء الذين يروّجون الإشاعات، ويختلقون الأخبار، ويستغلون الوسائل المختلفة لنشرها، فتعم المجتمع لأنها تسمع بجميع الوسائل المسموعة، لا شك أن عذابهم يوم البرزخ أليم، وعذابهم يوم القيامة أشد ألما وأنكى وأخزى، ولا يقول الناس هؤلاء أعداء الله ينشرون الأكاذيب ويخونون الأمين ويزعمون أن فلانا صادق وهو خائن، ويروجون الإشاعات، ويغيرون الواقع، ويتهمون الأبرياء، والناس يروج عليهم هذا الكذب، لأنهم ليس عندهم هذه الوسائل التي أمامهم. 

 

نقول رويدا سيأتى موعدهم عند الله، فإن الله عز وجل لا يضيع عنده حق وستكون عقوبة هؤلاء أليمة، ولما علم الصالحون خطورة الكذب وأنه ثلث النفاق، وأنه يهدى إلى الفجور، خافوه على أنفسهم، فعندما حضرت الوفاة عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال “إنه كان خطب إلي ابنتى رجل من قريش، وقد كان مني إليه شبه الوعد، وأخاف أن ألقى الله بثلث النفاق أشهدكم أني زوّجته” وكان الأئمة يستدلون بحركات الناس وأفعالهم وكلامهم على صدقهم، ولما خرج البخارى يطلب الحديث من رجل فرآه يشير إلى دابته برداء كأن فيه شعيرا وليس فيه شيء رجع وقال “لا آخذ الحديث عمن يكذب على البهائم” وقال الأحنف بن قيس “ما كذبت من يوم أسلمت إلا مرة واحدة” وكان السلف يدققون فيه جدا، وبقد لقى الإمام أحمد رحمه الله، بعض أصحابه فقال كيف حال أولادك؟ فقال الرجل يقبّلون يديك، قال الإمام أحمد “لا تكذب” وإن الكذب له دواع كثيرة ومنها أن يجلب لنفسه مغنما أو يدفع عن نفسه ضررا.

قد يعجبك ايضا
تعليقات