القاهرية
العالم بين يديك

رسالة أخيرة

164

 

كتب، أحمد النحاس

هناك فراغ كبير كان يحاوطني منذ مدةٍ، أشعر به الآن يجتاحني كطقسٍ متطرفٍ، نافذة فتحت ذراعيها عن أخرهما وسحبتني لتلقي بي بعيدًا إلى العدم، لم أكن أعلم أن اليوم سيأتي ويسكب في رأسي حقيقة أن كل شيء فعلته لأجلكم كان محض واجبٍ وهراء، وأن الوقت الذي أفنيته من عمري لأجلكم كان مجرد غباء طويل المدى، لم أكن أبدًا الشخص السيء الذي ينعى حظه، لكنني أدركت الآن أنني كنت ملعونًا بكم، وأن الحظ السيء نفسه مرهونًا بداخلي.
تعلمون ما الذي دعاني للإنتحار، ليس رغبة مني في أن أفارق جمال الحياة البشع، أو أن أتخلص من تنفس هوائها العليل المستعمل، دعاني غباء تصرفاتكم أن أتخلص من كوني بشريًا يشعر أكثر مما ينبغي، ويتألم أكثر مما ينبغي، ويموت حزنًا أكثر مما ينبغي.
ليس هناك شخص أشد مني كآبة في هذا التوقيت، ربما أرحل بعد قليل، لا أدري إلى أين، ولا أي طريق سأسلك، أقسم أن غايتي نبيلة وأنني لن أحملكم أبدًا أمر رحيلي، لكن لا أستطيع أن أمنع عيونكم حين تقرأ هذا الكلام أن تمتلئ بالدموع، ولا أستطيع أن أمد لكم يدًا تربط على قلوبكم التي تئن الآن، وهذا الألم الذي تستشعرونه ويحتوي صدوركم لا أستطيع إيقافه من الإنتشار في بقية أجسادكم، هذا الإنطواء الذي ترغبون في أن تطرقوا أبوابه، لا أستطيع أن أقول له لا تفتح لهم، فقدان الشهية، طول السهر، عدم مغادرة الغرفة لأيام، أشياء أعجز من هنا أن أمنعكم عن ممارستها، لكنها أبدًا لن تعيدني.
كنتم من أهم أسباب الحياة، لكنني حينما فكرت قليلًا لم أجدني في حياة أكثركم لا محمودًا ولا معذورًا، ما الذي حصلت عليه مقابل أن أعيش لكم غير عمري الذي حصدته مبكرًا، قبل أن يتورم أكثر، ويتثلج أكثر، ويظلم أكثر، أنا لست سوى لحظة انتظار رفضت الساعة الأم الاعتراف بها فباتت على أعتابكم لقيطة.
لا تذكروني في مجالسكم، فالموتى لا يحبون أن يذكروا، ولا يحبون أبدًا أن يُتلى على قبورهم النحيب.

قد يعجبك ايضا
تعليقات