بقلم اد .عادل خلف عبدالعزيز استاذ الفلسفة الإسلامية ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان
هي رابعة بنت إسماعيل العدوية البصرية مولاة آل عتيك التقية النقية الزاهدة العابدة الصالحة الناسكة التي سلكت مسلك الزهد حبا في الله وترك الدنيا بما فيها علي مافيها ذاهبة الي ربها ليهديها.
فقد سادت نزعة الزهد في مدرسة البصرة واخذ الزهد وترك الاغيار والاتجاه بالكلية الي رب الاغيار مسلكين المسلك الاول مثله الحسن البصري الذي تمثل الزهد رهبة وخوفا من الله تعالي وخوفا من عذابه فانقطع الي العبادة.
والمسلك الاخر الذي سلكته رابعة مسلك الزهد لا خوفا من العذاب ولا طمعا في ثواب وانما حبا منزها حبا لا تشوبه شائبة غرض ولا مأرب اللهم الا حب التنزيه والتقديس للذات السرمدية.
التقت سفيان الثوري فقالت له:انما انت ايام معدودة فاذا ذهب بعضك ويوشك اذا ذهب البعض ان يذهب الكل وانت تعلم فاعمل.
وقد لقيها سفيان ذات يوم وقد ساءت حالتها فعاتبها فقالت له:يا سفيان وما تري من سوء حالي؟!الست علي الاسلام فهو العز الذي لا ذل معه والغني الذي لافقر معه والأنس الذي لاوحشة معه ،والله لاستحيي ان اسال الدنيامن يملكها فكيف اسال من لا يملكها؟!
وكانت دوما تعاتب نفسها وتلومها قائلة:يا نفس كم تنامين والي كم تقومين،يوشك ان تنامي نومة لاتقومين منها الي صرخة البعث.
اقفلت باب الدنيا والامور الحسية،وذلك لتحقيق المعني الحقيقي للعبودية في نظرها-والناس فيما يعشقون مذاهب-وهو ما يتضح في طبيعة اندماجها الروحي والوجداني من خلال الحب الالهي الذي شكل ظاهرة واضحة في اشعارها.
حبيبي لا يعادله حبيب** وما لسواه في قلبي نصيب.
حبيب غاب عن بصري**وشخصي،ولكن عن فؤادي لا يغيب.
فالعلاقة بينها وبين حبيبها علاقة روحية علاقة تجرد لذا كانت حينما يجن عليها ليلها تناجيه قائلة:
إلهي هدأت الأصوات وسكنت الحركات وخلا كل حبيب بحبيبه ،وقد خلوت بك ايها المحبوب فاجعل خلوتي منك في هذه الليلة حبي اليك..فأنشدت قائلة:
إني جعلتك في الفؤاد محدثي**وابحت جسمي من اراد جلوسي.
فالجسم مني للجليس مؤانس**وحبيب قلبي في فؤادي انيسي.
واتخذت الخلوة سبيلا لها للوصول الي بغية المشتاق والعروج الي الجناب ،بل ووجدت راحتها النفسية فيها
راحتي يا أخوتي في خلوتي**وحبيبي دائما في حضرتي.
لم أجد عن هواه عوضا**وهوانا في البرايا ضمني.
يا طبيب القلب يا كل المني**جد بوصلك منك يشفي مهجتي
يا سروري وحياتي دائما**نشأتي منك ايضا نشوتي.
قد هجرت الخلق جميعا ارتجي**منك وصلا فهو أقصي منيتي.
وحين سألها سفيان عن حقيقة ايمانها،كانت المحبةهي التعبير ،ما عبدته خوفا من ناره ،ولا حبا في جنته فأكون كالاجير السوء بل عبدته حبا له وشوقا اليه.
أحبك حبين حب الهوى ** وحب لأنك أهل لذاك
فأما الذي هو حب الهوى ** فشغلي بذكرك عمن سواك.
وأما الذي أنت أهل له **فكشفك لي الحجب حتي أراكا
فلا الحمد في ذا ولاذاك لي**ولكن لك الحمدفي ذا وذاكا.
ويعتقد انها ربما أرادت بحب الهوي حب الله لاحسانه اليها وانعامه عليها بحظوظ الدنيا ،وقيل ان معني حب الهوي هو انها رأت محبوبها فأحبته عن مشاهدة اليقين.،
انها رابعة العدوية التي افنت عمرها في طاعة الله فمنحها الله تعالي الرضا والحظوة والقبول وافاض عليها من انوار واشراقات محبته ففاقت الخلق في دين وفي خلق ،فجاد عليها ابا الجود والكرم فغرقت في بحور المشاهدات الربانية وظلت علي هذه الحال حتي لبت نداء ربها واسلمت روحها راضية مرضية فتوفيت سنة 185ھ ودفنت بظاهر القدس من شرقيه علي ظهر جبل يسمي الطور،
هؤلاء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ،هؤلاء الذين تحقق فيهم قول الله تعالي “لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون”،رضي الله عن رابعة العدوية ام الخير ورضي الله عن الصالحين الذين انعم الله عليهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا
. سلام علي رابعة في الاولين وفي الاخرين وسلام علي كل اوليائه الصالحين. جزاكم الله خيرا اهل الحب والاخلاص واحسن اليكم.
رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية