القاهرية
العالم بين يديك

الذي باركنا حوله

103

كتب: رائد حميده

بعد أن لحق النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم – بالرفيق الأعلى تعالت أصوات المرتدين؛ فنهض أبو بكر الصديق بالأمر واستأصل شأفة كل من نكص على عقبيه ثم أرسل رجاله ليدكوا معاقل الروم، ويُخَلُّوا بين الناس وبين الإسلام. لكن الحياة لم تطل بأبي بكر ليرى مشهد تحرير موضع معراج النبي – صلى الله عليه وسلم – ونافذة الأرض إلى السماء. وَخَلَفَهُ عمر بن الخطاب الذي أقلق منام الجالس على العرش في بيزنطة، فذهب إلى بيت المقدس في هالة من التواضع والعظمة معًا يحيط به رجال هم صفوة الخلق بعد أنبيائه، وفتحها سلمًا، وكتب لأهلها العهدة العمرية.
ثم تتقادم الأيام ولا تتخلى أوربا عن طموحات الغزو؛ فترسل أبناءها – بتشجيع من رأس السلطة الدينية وكل من له هوى – في حملات متتالية ظاهرها استرداد مهد المسيح وباطنها أهداف متباينة أهمها تكوين مستعمرات في الشرق الذي تفيض بلاده لبنًا وعسلا. وتقول الروايات: إنهم دخلوا بيت المقدس وأذاقوا أهلها حر الموت بعد أن وضعوا السيف فيهم ثم حولوا أجزاء من المسجد الأقصى إلى مساكن لفرسانهم، واتخذوا من السراديب والأقبية التي تحته إسطبلات لخيولهم!
حتى جاء يوسف بن أيوب – المعروف بصلاح الدين الأيوبي – واستنقذه من بين أيديهم بعد معركة حطين التي لم تكن آخر معركة لإنهاء قصة وجودهم ولكنها كانت فاصلًا بين حدين أدرك فيه الصليبيون أن عليهم أن يحملوا عصا الرحيل عن بلاد ليست وطنًا لهم ولن تكون، ولم يحذ صلاح الدين حذوهم فيُعمل السيف فيهم بل كف أيدي جنوده عنهم واكتفى بإجلائهم عن بيت المقدس؛ فقد كان يكره سفك دماء الأسرى والعزّل؛ لأن الدم – كما كان يقول- لا ينام.
وفي مرحلة قاسية من مراحل الضعف والاستكانة التي مرت بها الأمة زرع الاستعمار في خاصرة بلادنا نفرًا ممن ليس لهم أوطان، ولا يدنيون لأي مكان بالولاء، وهنا يبدأ فصل آخر من فصول احتلال الموضع الذي سجد عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – وأمَّ جميع الأنبياء، وعرج منه إلى السماء؛ ليرى من أيات ربه الكبرى، وللحديث صلة.

قد يعجبك ايضا
تعليقات