كتبت سالي نجيب
في حالة نوم شبه الغيبوبة فاقدة الإحساس بالوقت والزمان والمكان حلم أقرب للحقيقة أرى نفسي انتقلت إلي عالم آخر بين مجموعة من البشر، آراهم للمرة الأولي في مكان غامض مخيف مظلم يضيء بنار تأتي بشعاعها من أعماق المكان يشبه القبر موحش جدا ومظلم، لكنه لا يخلو من سكانه
من الخارج يبدو صغير الحجم ولكنه من الداخل كبير جدا فالجدران أشبه بجبل مغطى بتراب يبدو لونه أحمر من الوهج الذي يأتي من قاع المكان
جدران مخيفة للغاية فسقف المكان يشبه رقم ثمانية فالمكان يتسع من الجانبين ويضيق من المنتصف…
وعلي الجدران بعض النقوش والكلمات منها الظاهر ومنها غير المفهوم، وكأنها منحوتات قد نحتها بعض سكان المكان فمنها ماهو آمال ومنها ما هو آلام من بالداخل، حاولت البحث عن مخرج ….
اتجهت إلي الأمام أبحث عن أي أشخاص أرى من خلالهم المكان فالأرض التي أسير عليها غريبة في شكلها، فبعضها حاد وغير مستوي وبعضها أشواك أحاول الابتعاد عنها لأكمل طريق سيري من المنتصف الضيق ومنها ما هو ممهد، أسير داخل قصر غريب البنيان ليس من صنع إنسان، فالأرض تبدو بيضاوية أحيانًا ودائرية أحيانًا، مكان كل معالمه مختلفة عن كل ماهو طبيعي ومألوف، وبدأت أسمع أصواتا فشعرت أنني وجدت رفقاء دربي في هذا المكان المخيف والغامض…
بعض الناس يتساءلون هل أتيتي إلينا بالفعل أم أنكِ مازلت هناك في العالم الآخر فإن كنت هناك تمسكي بالحياة وحاولي العودة وصححي كل أخطائك انتابتني حالة من الدهشة والذهول وصمت لثواني !
لكني بدأت أستوعب وبدأت أنهال عليهم بالأسئلة أين أنا ؟ وما هذا المكان ومن أنتم وماذا تفعلون هنا؟
فأجابني أحدهم لانعلم لكننا أتينا إلى هنا جميعا، منا من سوف يستقر هنا، ومنا من يمكنه الرحيل، ساعدي نفسك وارحلي ولا تلتفتى للوراء مرة ثانية، حاولى أن تستيقظي أفضل بكثير من البقاء هنا، ثم رحلوا عني كلمات بسيطة لم أفهمها بعد وأشخاص يبدو أنهم لا يكترثون لشيء، أو أنهم اعتادوا هذا المكان واعتادوا على زواره كل واحد منهم مشغول بشيء ما، لا يكترث بالآخرين، عيونهم حائرة وكأنهم ينتظرون شيئا ما أن يحدث أو يأتي لا أدري.
علي الجانب الآخر فتاة تقف في العتمة لا يظهر منها سوى جسد نحيل وكأنه حطام إنسان، تصرخ وتتألم وكأنها تلوم أحدهم علي ماهى فيه، تستغيث بشدة، اقتربت منها علي مسافة فلم أستطع الاقتراب منها أكثر من ذلك فكنت أشعر بلهب حارق يأتي من حولها فحاولت أن أساعدها ولكني وجدتها مقيدة بسلاسل حديدية، حاولت التحدث إليها فهي حتي لم تعرني أدنى اهتمام وكأنها في عالم آخر أو أن مراحل عذابها قد بدأت، فشعرت نفسي أنها في حلم طويل لا أستطيع أن أتخلص منه..
هناك بعيدا أطفال تبكي بشدة وتتأوه من شدة الألم، ماذا حل بهم؟ من أتي بهم إلى هنا ؟
ارتفع البكاء أكثر والأنين من حين لآخر، أجابتني أمراة تبلغ من العمر أرذله هؤلاء أطفال مرضى سرطان في حالة غيبوبة..
يا الله ساعدهم كن بجانبنا، فذهبت إليهم وبدأت أحكي معهم جميعا تمسكنا ببعضنا البعض محاولين الفرار ومشينا بعيدا أحاول أن أستوعب ما أنا عليه وما يحدث؟
رأيت شابا يقف بجانب الجدار المظلم وكأنه ينحت شيء ما في الصخر فكلما نحت شيئا أضاء الصخر نورا، اقتربت منه ماذا تكتب؟
فلم يجبني وظل ينحت في الصخر، فاقتربت منه أكثر لكي أقرأ ماذا يكتب؟!
فوجدته منشغلا بترتيل بعض آيات القرآن وبدأ يجيبني نعم؛ هذا هو النور، هذا هو طريق العودة إذا كنتِ لم تأتِ إلى هنا للأبد فرتلي كي تعودي. ..
والأطفال؛ ماهو طريقهم للعودة؟
أنت المفتاح ساعديهم فسوف تعودي بهم. صمتت قليلا أفكر، وأنت؛ هل أتيت إلى الأبد؟
لا مازالت أمي تجلس بجواري تدعو لي وتقرأ حتي أعود.
تعود من أين ؟ من هنا .
أين نحن؟
نحن في العالم الآخر بين الموت واليقظة.. لحظة، فأجسادنا هناك ممدة علي الأسِرة .
أرواحنا هامت في عالم آخر تري طريقها بين العقاب والثواب، بين ما نعلمه وما لا نعلمه، بين عملنا وما لو عُدنا سوف نعمل، ففي نهاية المكان في القاع نار تغلى، هذا ضوؤها
قد أضاء المكان، تنتظر أن يؤمر أن تؤخذ أرواحنا، وفي بداية الطريق الممهد جنة أشم رائحتها لكني أقف في المنتصف، لم أدرك بعد أين الطريق فهي مازالت متشبثة هناك بيدي، تدعو وتقرأ وتتضرع، ترفض أن تتركني، لكني أريد الفرار إلى هنا، قد استسلمت للبقاء لكن صوتها وهي تصرخ يؤلمني، جعلني أتشبث بيديها وبدأت أدعو أنا الآخر أن أعود من أجلها .
بدأت أدعو وأقرأ معه وأردد بصوت عالي أنا والأطفال، بدأ البكاء يتحول إلى دعاء فاختفوا من بين يدي واحدا تلو الآخر، أيقنت أن نبض الحياة قد عاد لهم من جديد، وبدأت ألتف بكل من حولي نرجو المولى وندعو العودة للحياة مرة أخرى .