القاهرية
العالم بين يديك

سكة القبوة

142

رحاب الجوهري
هي درة خان الخليلي ولؤلؤة على جبينه ، يرجح البعض أن سبب التسمية يعود إلى أن هذا المكان يتميز بقطعتين من أجمل القبوات الموجودة في المنطقة، ويعبر بينهما ممر طويل يصل إلى قهوة الفيشاوي شمالا أو إلى منطقة الصاغة العريقة جنوبا أو يخرج إلى «ربع السلسلة» شرقا.
سكة القبوة كانت وكالة تجارية في عصر المماليك، و(القبوة) نسبة إلى واحدة من ثلاث قبوات تعتلي البوابات الثلاث اللاتي تم إنشاؤها سنة 1500 ميلادية، عندما تولى السلطان أبو النصر قانصوه الغوري الحكم، حيث اهتم بالعمارة في هذه المنطقة، فله فيها في الجهة المقابلة وكالة الغوري والمسجد ومدرسة وسبيل، وجميعها يحمل اسمه.

كان سور القاهرة القديمة ينتهي عند هذه النقطة، وكان التجار عندما يأتون إلى مصر محملين بالبضاعة ينتظرون في الخارج حتى يؤذن لهم في الدخول، ومن هنا أتت فكرة البوابة لدعم التجارة التي نشطت في عصر السلطان الغوري، خاصة التي كانت تأتي عبر رأس الرجاء الصالح، ويمر عبر هذه البوابات اليوم ممر طويل يحتوي على نحو 40 دكانا، لا يتجاوز مساحة الواحد منهما 30 مترا.

وفكرة بناء «القبوة» أتت لحاجة التجار لما يستظلون به من الحر صيفا والاحتماء من المطر والبرد شتاء عند عرض بضاعتهم، فكانت الفكرة في بناء جسر صغير على هيئة قبة «القبوة»، وكان المماليك من أوائل من استخدمها معماريا في الهياكل التي تبنى تحت الأرض «السراديب»، لذا تطلق كلمة «قبو» على السراديب، ثم استخدمت في المباني العامة خاصة بيوت الأغنياء لأن تكلفتها كانت عالية لصعوبة بنائها؛ وظل استخدامها شائعا حتى القرن التاسع عشر إلى أن انتشرت بعض أساليب البناء خصوصا شكل «العقادة»، ثم في القرن العشرين انتشرت السقوف القبوية وهي عبارة عن هيكل تسقيف معماري مكور من الداخل. ومن الناحية الإنشائية، يعمل القبو كوحدة واحدة تنقل الأحمال من هيكل السقف إلى الجدران أو الأعمدة «الجسور» التي يستند إليها القبو والتي تعد من أقدم وسائل التسقيف وتتمتع بمتانة ومقاومة عالية، لذا تغطى به المساحات الواسعة.

القبوات الموجودة في «سكة القبوة» من الداخل تم نقشها على يد أمهر فناني النقش في عصر المماليك بالزخارف الإسلامية والوحدات النباتية التي انتشرت في هذا الوقت، لتظل تحفة معمارية صامدة إلى هذا اليوم، وأجمل ما تبقى منها جدار أسفل إحدى القبوات كتب عليه بالخط العربي «أمر بإنشاء هذا الحصن الملك المظفر، عز نصره، السلطان الغور»، كأنها شهادة منة للتاريخ، فضل أن تحفر على الحجر حتى لا تمسح أو تنسى.

يمكننا القول بأن السائح الذي يتوافد إلى هذا الشارع ذواقة وذو غرام خاص بالشراء والاستمتاع بمشاهدة مراحل تصنيع بعض المنتجات المصرية القديمة مثل النقش على النحاس، وكتابة الأسماء على الرمال، وتشكيل الطين وتلوينه، وغزل الحرير.

قد يعجبك ايضا
تعليقات